مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٩ - الصفحة ٣٦
كالأشياء " على البارئ باعتبار أن حقيقة الشيئية مشتركة بين البارئ وسائر الأشياء، وإنما يمتاز البارئ عنها بخاصية وجودية لا توجد فيها، فهو تعالى " شئ " بخلافها، ولا تشبهه ولا يشبهها، فمن جهة إثبات الشيئية له، خرج عن حد التعطيل، ومن جهة نفي المثيل له تعالى خرج عن حد التشبيه، فثبت له تعالى التنزيه الكامل، من دون تعارض بين صدر المقولة وذيلها.
فكذلك مقولة " جسم لا كالأجسام "، على مصطلح هشام، فإن الجسمية - بمعنى إثبات الشيئية بحقيقتها - ثابتة للبارئ تعالى، مشتركة بينه وبين غيره من الأجسام، فإثباتها له يخرجه عن حد التعطيل، ونفي المماثلة بينه وبين الأجسام، يخرجه عن حد التشبيه، وهو التنزيه الكامل، من دون معارضة بين صدر المقولة وذيلها.
فظهر أن ما ذكروه غير وارد على هشام، إذ أنهم أوردوا ذلك على مصطلحهم في الجسم، وهو: ما له الطول والعرض والعمق، لا على مصطلحه في " الجسم " وهو:
" الشئ ".
وهذا منهم خروج عن أبسط مناهج البحث والجدل الصحيح.
وأما قولهم: وإذا كان قد قام الدليل على أنه - تعالى - ليس جسما، فواضح أنه مصادرة على المطلوب، إذ أن هذا هو محل البحث والنزاع فكيف يؤخذ شرطا تترتب عليه النتيجة التي ذكروها.
ثم إن الأدلة التي أقامها المتكلمون على نفي الجسمية عن البارئ تعالى، كلها مبتنية على أن المراد بالجسم هو ذو الأبعاد، وقد ذكروها في كتبهم.
ولهذا، لا يرد شئ منها على المقولة، بل نص كثير منهم على أن المقولة على مصطلح هشام لا تدل على التجسيم المعنوي، وليس فيه مخالفة لأصل، ولا اعتراض على فرع، سوى مسألة توقيفية الأسماء التي سنفصل ذكرها في نهاية البحث.
* * *
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست