مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٩ - الصفحة ٣٥
ولقد جهد المعتزلة الفصل بين المقولتين، والحكم بعدم الملازمة بينهما:
قال القاضي عبد الجبار: فإن قيل: أليس عندكم أنه تعالى: " شئ لا كالأشياء " وقادر لا كالقادرين، وعالم لا كالعالمين، فهلا جاز أن يكون " جسما لا كالأجسام "؟
قيل له: إن " الشئ " اسم يقع على ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، ويتناول المتماثل والمختلف والمتضاد، لهذا يقال في السواد والبياض: أنهما " شيئان " متضادان، فإذا قلنا: إنه تعالى " شئ لا كالأشياء " فلا يتناقض كلامنا، لأنا لم نثبت بأول كلامنا ما نفيناه بآخره، وكذا إذا قلنا: إنه تعالى قادر لا كالقادرين، وعالم لا كالعالمين، فالمراد به أنه قادر لذاته، وعالم لذاته، وغيره قادر لمعنى، وعالم لمعنى.
وليس كذلك ما ذكرتموه، لأن الجسم هو: ما يكون طويلا عريضا عميقا، فإذا قلتم: إنه " جسم " فقد أثبتم له الطول والعرض والعمق، ثم إذا قلتم: " لا كالأجسام " فكأنكم قلتم: ليس بطويل ولا عريض ولا عميق، فقد نفيتم آخرا ما أثبتموه أولا، وهذا هو حد المناقضة، ففارق أحدهما الآخر (87).
وقد ذكر الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده مثل هذا الكلام بعينه، وأضاف.
وإذا كان قد قام الدليل على أنه ليس " جسما " فلا يصح القول: إنه " جسم لا كالأجسام " لأن حكم الأجسام واحد (88).
والجواب: إن " الجسم " عند هشام وفي مصطلحه، وعند من يطلق مقولة " جسم لا كالأجسام " على البارئ تعالى، هو بمعنى " الشئ " وليس بمعنى " ما له الطول والعرض والعمق " كما فرضه المعتزلة حتى يرد عليه ما ذكروه، فكلامهم هذا كله خروج عن مصطلح هشام.
وإذا كان " الجسم " بمعنى " الشئ " فكما يصح إطلاق مقولة: " شئ لا

(87) شرح الأصول الخمسة: 221.
(88) في التوحيد، تكملة ديوان الأصول: 596.
(٣٥)
مفاتيح البحث: مدرسة المعتزلة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست