بعد هذا العرض الموجز لما يسميه هؤلاء المؤلفون ب (أصول النحو) نستطيع، بأدنى نظر، أن نشخص الأثر الكبير لمنهجة أصول الفقه عليه، خاصة وأن الذين ألفوا هذه الأصول - وإن ادعى كل منهم أنه مبتكرها - كانوا حريصين على الاعتراف باتباعهم حد أصول الفقه. يقول ابن جني - وهو أول من كتب في هذه الأصول -: (لم نر أحدا من علماء البلدين - البصرة والكوفة - تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه) (17).
وقال الأنباري: (وألحقنا بالعلوم الثمانية - يقصد علوم الأدب - علمين وضعناهما: علم الجدل في النحو، وعلم أصول النحو... على حد أصول الفقه، فإن بينهما من المناسبة ما لا خفاء به، لأن النحو معقول من منقول كما أن الفقه معقول من منقول) (18).
وقال السيوطي عن كتابه (الاقتراح): (في علم لم أسبق إلى ترتيبه، ولم أتقدم إلى تهذيبه، وهو أصول النحو الذي هو بالنسبة إلى النحو كأصول الفقه بالنسبة إلى الفقه) (19) مع أنه نقل في كتاب جل ما قاله الأنباري في اللمع، وما قاله ابن جني في الخصائص.
وكل من تتبع أصول النحو في هذه الكتب الثلاثة - وبخاصة اللمع والاقتراح - يجد أثر أصول الفقه شائعا في تعريفاتها، وتقسيماتها، وشروطها، وأحكامها. بل كانت الظاهرة الشائعة في العصور المتأخرة تقليد المؤلفين من النحاة للفقهاء والأصوليين في وضع كتب على غرارهم، كما قال أبو البركات في مقدمة كتابه (الإنصاف) أنه وضعه في (المسائل الخلافية بين نحويي البصرة والكوفة، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة) ومثل ذلك قال في مقدمة (الأغراب في جدل الأعراب) وتبعه السيوطي في (الأشباه والنظائر النحوية)