أن الأحكام الذهنية التي قلنا: ليست بلحاظ ما في الخارج، كالإمكان مقابل للامتناع، لا يصح القول بأن صحيحها لأنها في الخارج، وكذا لا يصح القول: بأن صحيحها لا لأنها في الذهن، لإمكان كونها كاذبة، ومع ذلك موجودة في الذهن، ويلزم على هذا صحة الكواذب.
ولكن أنت بما حققنا من معنى نفس الأمر والخارج، ومعنى صحة مطابقة الحكم لنفس الأمر، تعلم أن الشبهة غير واردة أصلا، لأن الكواذب لا نفسية لها حتى يتفوه بها بمطابقتها له وصحتها.
نعم لو قلنا إن نفس الأمر عبارة عن عالم الأمر الحكيم، فالجواب عن الشبهة المذكورة وإن كان يعلم أيضا بالقياس إلى ما حررناه، ولكن فيه تحقيقا أنيقا آخر يأتي نقله عن الحكمة المتعالية، وكلامنا حوله.
ثم إن العلامة القيصري أفاد تحقيقا في معنى " نفس الأمر " في آخر الفصل الثاني من فصول شرحه على فصوص الحكم، على ما ذهب إليه المحققون من أهل التوحيد، وما تقدم منا في معنى " نفس الأمر " وإن كان كافلا لما أفاد، ولكنه أجاد بما أفاد لا يخلو نقله عن فوائد كثيرة، ونتبعها بإشارات منيفة منا حول إفاداته إن شاء الله تعالى، قال:
" والحق أن كل من أنصف يعلم - من نفسه - أن الذي أبدع الأشياء وأوجدها من العدم إلى الوجود - سواء كان العدم زمانيا أو غير زماني - يعلم تلك الأشياء بحقائقها وصورها اللازمة لها، الذهنية والخارجية، قبل إيجاده إياها، وإلا لا يمكن إعطاء الوجود لها، فالعلم غيرها - أي غير الأشياء -.
والقول باستحالة أن يكون ذاته تعالى وعلمه - الذي هو عين ذاته - محلا للأمور المتكثرة، إنما يصح إذا كانت غيره تعالى، كما عند المحجوبين عن الحق، إما إذا كانت عينه من حيث الوجود والحقيقة، وغيره باعتبار التعين والتقيد فلا يلزم ذلك، وفي الحقيقة ليس حالا ولا محلا بل شئ واحد ظهر بصورة المحلية تارة والحالية أخرى.
فنفس الأمر عبارة عن العلم الذاتي الحاوي لصور الأشياء كلها، كليها وجزئيها، صغيرها وكبيرها، جمعا وتفصيلا، عينية كانت أو علمية، لا يعزب عن ربك من