ينكر أن ما في العقل الفعال أشد حصولا وآكد وأقوى ثبوتا مما في أذهاننا، والتعبير بالاختزان على سبيل التصور بيان لتقررها فيه على وجودها الأحدي، البسيط الذي هو عين الحياة والشعور، لا التصور المقابل للتصديق المصطلحين في الميزان، ولا يتفوه مثل الدواني بما أورده هو قدس سره الشريف عليه.
ثم قال - في تحقيق المقال في حل الإشكال - ما هذا لفظه الجميل:
" وأما حل الإشكال، وحق المقال فيه على وجه يطمئن به القلب، وتسكن إليه النفس، فهو يستدعي تمهيد مقدمة، هي أن كل ملكة راسخة في النفس الإنسانية - سواء كانت من باب الكمالات أو الملكات العلمية أو من باب الملكات أو الكمالات العملية كملكة الصناعات التي تحصل بتمرن الأعمال، وتكرر الأفعال - كالكتابة والتجارة والحراثة وغيرها - فهي إنما تحصل بارتباط خاص من النفس بالعقل الفعال لأجل جهة فعلية من الجهات الموجودة فيه، لأن الأنواع المختلفة لا تكفي في تكثرها ووجودها تكثر القوابل أو تكثر جهاتها القابلية، بل يحتاج إلى مبادئ متعددة عقلية، كما رآه الإفلاطونيون من أن علل الأنواع المتكثرة في هذا العلم عقول متكثرة هي أربابها، وأما إلى جهات متعددة فاعلية في العقل الأخير، كما هو رأي المشائين.
وبالجملة فجميع الكمالات الوجودية في هذا العالم مبدؤها ومنشؤها - من حيث كونها أمرا وجوديا - من ذلك العالم، سواء سميت خيرات أو شرور، إذ الشرور الوجودية شريتها راجعة إلى استلزامها لعدم شئ آخر أو زوال حالة وجودية له، وهي في حد نفسها، ومن جهة وجودها، تكون معدودة من الخيرات، كالزنا والسرقة ونظائرهما، ومنهما الجهل المركب، والكذب، فكل منها في نفسه أمر وجودي وصفة نفسانية، يعد من الكمالات لمطلق النفوس، بما هي حيوانية وإنما يعد شرا بالإضافة إلى النفس الناطقة، لمضادتها لليقين العلمي الدائم، ولملكة الصدق، فإن الأول خير حقيقي، والثاني نافع في تحصيل الحق.
فإذا تمهدت هذه المقدمة، فنقول: لا يلزم أن يكون ما بإزاء كل ملكة نفسانية - أو أمر وجودي في العقل الفعال أوفي عالم العقل - هو بعينه من نوع تلك الملكة أو ذلك الأمر، بل - الذي لا بد منه - هو أن يكون فيه أمر مناسب لتلك الملكة أو لذلك الأمر. فإذن كما أن النفس إذا تكررت ملاحظتها لعلوم صادقة حقة، حصلت