مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ٧٨
الإشارات بقوله: " أن تكون حقيقته متمثلة عند المدرك "، وفسر العناية بقوله: " تمثل النظام الكلي في العلم السابق... " (19).
فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول:
إن ذلك البعض المعترض إن أراد من قوله: إن نفس الأمر عبارة عن حقيقة الأشياء بحسب ذواتها، مع قطع النظر عن الأمور الخارجة عنها، إن قاطبة الأشياء لها وجود في نفس الأمر، بمعنى أن حقائقها العلمية، أي أعيانها الثابتة بحسب ذواتها، مع قطع النظر عن الأمور الخارجة عنها، كائنة في صقع الذات الأحدية، فله وجه وجيه، وإلا فلا يخلو من دغدغة.
ثم أفاد صائن الدين في تمهيد القواعد في بيان نفس الأمر على طريقة المحققين من أهل التوحيد والعرفان بقوله: نفس الأمر عبارة عما ثبت فيه الصور والمعاني الحقة - أعني العالم الأعلى - الذي هو عالم المجردات، ويؤيده إطلاق عالم الأمر على هذا العالم، وذلك لأن كل ما هو حق وصدق من المعاني والصور لا بد وأن يكون له مطابق - بالفتح - في ذلك، كما يلوح تحقيقه من كلام معلم المشائين أرسطو، في (الميمر الثاني) من كتابه في العلم الإلهي، المسمى (باثولوجيا) بعد فراغه عن أن العالم الأعلى هو الحي التام الذي فيه جميع الأشياء، وأن هذا العالم الحسي كالصنم، والأنموذج لذلك العالم، من أن فعل الحق هو العقل الأول، فلذلك صار له من القوة ما ليس لغيره، وأنه ليس جوهر من الجواهر التي بعد العقل الأول إلا وهو من فعل العقل الأول.
وإذا كان هذا كذا قلنا: إن الأشياء كلها هي العقل، والعقل هو الأشياء، وإنما صار العقل هو جميع الأشياء، لأن فيه جميع كليات الأشياء، وصفاتها، وصورها وجميع الأشياء التي كانت وتكون مطابقة لما في العقل الأول، كما إن معارفنا التي في نفوسنا مطابقة للأعيان التي في الوجود، ولا يمكن غير ذلك، ولو جوزنا ذلك - أعني أن يكون بين تلك الصور التي في نفوسنا وبين الصور التي في الوجود تباين أو اختلاف - ما عرفنا تلك الصور ولا أدركنا حقائقها، لأن حقيقة الشئ ما هو به هو، وإذا لم يكن، فلا محالة غيره، وغير الشئ نقيضه، فإذن جميع ما تدركه النفوس وتتصوره من أعيان

(19) تاسع سادس الإشارات: 148
(٧٨)
مفاتيح البحث: الصدق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست