وحيث أن الرجل يحمل هما على كتفيه يريد الوصول إليه فلا مانع أن يسلك الطريق الوعر، ويزج بنفسه في متاهات الشعراء، أساليبهم، وممارساتهم، ولكنه يختلف عن كثير منهم بعفة ونزاهة لا يطرق بابه إثم أو انحدار، إنه يصرح بذلك في قصيدة يمدح أباه الشريف في عيد الغدير عام 396 ه جاء فيها:
وما الشعر فخري ولكنه * أطول به همة الفاخر أنزهه عن لقاء الرجال * وأجعله تحفة الزائر فما يتهدى إليه الملوك * إلا من المثل السائر وإني وإن كنت من أهله * لتنكرني حرفة الشاعر (166) 3 - إن الشريف الرضي لم يتكأ على الشعر لغرض المدح والثناء إنما انقاد إليه للضرورة الفارضة، التي حملته إلى هذا الاتجاه نحو تحقيق طموحه وغاياته، وإلا فهو " أحد علماء عصره قرأ عليه أجلاء الأفاضل " (167).
وشجعه عليه هذا الاتجاه ازدهار الحركة الشعرية في العراق، حتى وصف بأنه كان مسرحا لعرائس الشعر الجميل (168)، وفتحت أبواب الخلفاء والملوك والوزراء والأمراء ببغداد على مصراعيها للشعراء والأدباء، يجزلون لهم العطاء ويوزعون عليهم المراتب والجاه، ليضمنوا بقاءهم معهم، وكانت هذه الخاصة قد تميزت بها ملوك وأمراء آل بويه، وشهدت لهم المصادر التاريخية، والأدبية بأنهم رعوا الأدب والقبر فضل أيما رعاية، وكان الشريف الرضي أحد هؤلاء الذين انقادوا لهذا الاتجاه - فكانت له المكانة المرموقة فيه - (169) من أجل تحقيق طموحه.
4 - لقد حفل العراق بالقرن الرابع الهجري باضطراب الأحوال السياسية، والفكرية، والاجتماعية وكان تأثيره كبيرا على المجتمع العراقي، مما أدى إلى انقسام خطير في تركيبه السياسي والاجتماعي وانسحاب كل ذلك على الجانب الفكري مما