فأما بنو بويه فإنهم اجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل، وكان يرضى بالإكرام، وصيانة الجانب، وإعزاز الأتباع والأصحاب " (154).
ولم يختلف موقفه مع الخلفاء العباسيين بما كان عليه مع البويهيين، فهو يؤكد لهم أنه لم يمدحهم، أو يقصدهم لغرض الهبات والعطايا، إنما لأجل الإكرام، ونستطيع أن نتلمس ذلك منه حين يطلب لقاء خاصا مع الخليفة العباسي الطائع لله (155) فيتماهل في لقائه، ويرسل هدية له، فينفر منها الرضي، فإنه لا يبغي منه صلة مالية. ويشير بذلك في قصيدته التي هنأ بها الوزير أبا منصور محمد بن الحسن بن صالح بالمهرجان عام 378 ه، جاء فيها:
مدحت أمير المؤمنين وإنه * لأشرف مأمول وأعلى مؤمم فأوسعني قبل العطاء كرامة * ولا مرحبا بالمال إن لم أكرم (156) إنه حين يتصل بالحكام لا لأجل المال، إنما للكرامة التي ينشدها ويتلهف عليها وهي أمله وطموحه، وإذا فقدت هذه فلا مرحبا بالمال عنده. ولهذا نراه حين يتمادى الطائع العباسي في عدم الاستجابة بلقائه، يرسل إليه قصيدة طويلة يعاتبه فيها عام 379 ه جاء في مطلعها:
ضربن إلينا خدودا وساما * وقلن لنا اليوم موتوا كراما ولا تبركوا بمناخ الذليل * يرحله الضيم عاما فعاما إلى كم خضوع لريب الزمان * قعودا ألا طال هذا مناما إلى أن يقول:
أريد الكرامة لا المكرمات * ونيل العلا لا العطايا الجساما (157) وهنا يثور التساؤل، إذا كان الرضي لا يقبل صلة أحد، فمن أين له ما يقومه في حياته العامة التي كان يظهر عليها شئ من السعة؟