كم اصطبار على ضيم ومنقصة * وكم على الذل إقرار وإذعان ثوروا لها، ولتهن فيها نفوسكم * إن المناقب للأرواح أثمان (164) وإذا كنا مضطرين للوصول إلى نهاية المطاف في حديثنا عن الشاعر الخالد، والعالم الكبير الشريف الرضي، فلا بد لنا أن نضع الحقائق التالية أمام عشاق الشريف الرضي لإجلاء بعض الجوانب التي تخصه في حياته العامة، وشخصيته الرفيعة، ودفاعا عن هذه الظاهرة التي قد تثير النقد، والاشكالات عليه، وفي هذا الصدد نلاحظ الآتي:
1 - إن الشريف الرضي عاش عصرا زاخرا بالأدب والمعرفة، وكان عليه أن يتحلى بهما ليكون عنوانا بارزا لذلك العصر المتلاطم بالأحداث، وكان له ما أراد، فلم يقف على أبواب الخلفاء، والسلاطين والوزراء والأمراء، ليستدر من عطفهم عليه ما يرفع به شأنه، إنما كانت نفسه تنازعه للطموح فكان يتنقل بين مجالس الحكام ومن على شاكلتهم ليرتبط بهم، ويشد إليه الأنظار، لأن الناس لا ترمق الخامل بنظرة التقدير والاكبار، والمجتمع البغدادي حينذاك يتطلع إلى من يتسلق الأمجاد.
2 - وقد تطلب منه هذا التوجه أن يستغل شعره سلما له، والمديح كان " ظاهرة العصر " وقد حفلت بغداد بالشعراء في القرن الرابع الهجري، وعليه إن أراد مسايرة الظاهرة، فلا بد أن يسلكها ويجتازها بحذر وروية، وتظهر هذه الحقيقة من خلال قصيدته التي يفتخر بآبائه الطاهرين عليهم السلام، ويذم الزمان، يقول فيها:
مالك ترضى أن يقال شاعر * بعدا لها من عدد الفضائل كفاك ما أورق من أغصانه * وطال من أعلامه الأطاول فكم تكون ناظما وقائلا * وأنت غب القول غير فاعل (165) فهو لا يريد أن يكون شاعرا، لكنه يريد أن يصل به إلى ما يصبو إليه، والغاية شريفة، وهي الصعود إلى العلا، وراكب الصعبة يتحمل كل المشاق، وقد سمعناه من قبل يؤكد على هذه الحقيقة:
وما قولي إلا شعار إلا ذريعة * إلى أمل قد آن قود جنيبه وإني إذا ما بلغ الله غاية * ضمنت له هجر القريض وحوبه.