الواقعيات المتضادة للكمال:
فإذا كان الشارع قد أعلن عن خاتمية الرسالة وكمال الشريعة الإسلامية، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين، ويقل الخلاف والنقاش بينهم، ويجتمع الكل على مائدة القرآن والسنة من دون أن يختلفوا في عقائدهم، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم و وظائفهم.
ولكننا - مع الأسف - نشاهد في حياة المسلمين أمرا لا يجتمع مع هذا الكمال، بل يضادده ويخالفه، بل وينادي بظاهره بعدم كماله من حيث الأصول والفروع، وينادي بأن الرسول صلى الله عليه وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكل شئ، وتلك الحقيقة المضادة لحديث الكمال هي الاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة، التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بل قبيلها أيضا.
فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار، وافترقوا فرقتين أو فرق حتى انتهوا إلى سبعين فرقة، بل إلى سبعمائة فرقة.
فهذا هو التاريخ يحدثنا أن أول تنازع وقع في مرضه (عليه الصلاة والسلام)، هو ما رواه البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس، قال: لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه، قال: إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي، فقال عمر (رضي الله عنه): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع، قال ابن عباس:
الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين رسول الله (1).
ولم ينحصر الخلاف في أخريات حياته، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش أسامة، حيث أنه (صلى الله عليه وآله) أمر أسامة بأن يسير إلى النقطة التي سار إليها أبوه من قبل، وجهز له جيشا وعقد له راية فتثاقل أكابر الصحابة عن المسير معه لما رأوا مرض النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يصر على مسيرهم، حتى أنه خرج معصب الجبين، وقال جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه (2).