وقد أوجبت هذه الاختلافات والنقاشات إلى وقع حروب دامية، وصراعات مدمرة أريقت فيها الدماء البريئة - من المسلمين، وسحقت الكرامات.
غير أن إطار الاختلاف لم يقف عند ذلك، فقد حدث اختلاف في مصير الإنسان، وما يؤول إليه بعد موته من البرزخ ومواقفه، ويوم القيامة وخصوصياته، إلى غيرها من الاختلافات والمنازعات الفكرية العقيدية، التي فرقت شمل المسلمين، ومزقت وحدتهم وكأنهم نسوا قول الله تعالى: (إن هذا أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء - 92).
فصارت الأمة الواحدة أمما متعددة، وأصبحت اليد الواحدة أيدي متشتتة.
ولو أضفنا إلى ذلك ما حدث بين المسلمين من الاختلاف في المناهج الفقهية، التي أرساها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، إلى أن وصل الدور إلى الأئمة الأربعة يقف الإنسان على اختلاف واسع مروع، وعند ذلك يتساءل الإنسان ويسأل المرء نفسه: ترى أي الأمرين أحق وأصح؟
1 - ما نص به القرآن الكريم، وحدث عنه سيد المرسلين عن كمال الدين بأصوله وجذوره، وشعبه وفروعه بحيث لم يبق للمسلم حاجة إلا رفعها، ولا حادثة إلا بين حكمها، ومقتضى ذلك أن يتقلل الخلاف والنقاش إلى أقل حد ممكن.
2 - ما نلمسه ونراه - بوضوح - من الخلاف والتشاجر في أبسط الأمور وأعمقها، من دقيقها وجليلها، بحيث لم يبق أصل ولا فرع إلا وفيه رأيان بل آراء.
إن حديث الاختلاف الكبير هذا لا يمكن أن يعد أمرا بسيطا، كيف والإمام علي (عليه السلام) يعتبره دليلا على نقصان الدين إن كان المختلفون على حق، وإلا كان اختلافهم أمرا باطلا، لأن كمال الشريعة يستلزم أن يكون كل شئ فيها مبينا، فلا مبرر ولا مصحح للاختلاف.
يقول الإمام (عليه السلام) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا:
ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله - سبحانه - بالاختلاف فأطاعوه! أم نهاهم عنه فعصوه! أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟! أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه، والله؟! سبحانه يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وفيه تبيان لكل شئ وذكر إن الكتاب يصدق