فهذا الدين كامل من حيث توضيح المعارف والعقائد، كامل من حيث بيان الوظائف والأحكام، كامل من جهة عناصر استمراره، وموجبات خلوده، ومتطلبات بقائه، على مدى الأيام والدهور.
فلا وجه - إذن - لقصر الآية على الكمال من ناحية دون ناحية، وجانب دون جانب فهي بإطلاقها تنبئ عن كمال الشريعة في جميع جوانبها، ومجالاتها من غير اختصاص بالإيمان، أو بالحج، أو بغيره.
على أن حديث الاكتمال الوارد في هذه الآية، لا يختص بإكمال الدين من حيث بيان العقيدة وتبليغ الشريعة، بل يعم الاكتمال من جهة بقاء الشريعة واستمرار وجودها طيلة الأعوام والحقب القادمة، إذ ليس حديث الدين كالمناهج الفلسفية والأدبية وما شبه ذلك، فإن الاكتمال في هذه المناهج يتحقق بمجرد بيان نظامها وتوضيح خطوطها الفكرية، سواء أطبقت على الخارج أم لا، وسواء استمر وجودها في مهب الحوادث أم لا، بل الدين شريعة إلهية أنزلت للتطبيق على الخارج ابتداء واستمرارا حسب الأجل الذي أريد لها.
فتشريع الدين من دون تنظيم عوامل استمرار وجوده يعد دينا ناقصا.
ولأجل ذلك دلت السنة على نزول الآية (اليوم أكملت) يوم غدير خم عندما قام النبي (صلى الله عليه وآله) بنصب علي (عليه السلام) للولاية والخلافة (1).
والعجب أن ابن جرير أخرج عن ابن جريح، قال: مكث النبي (ص) بعد ما نزلت هذه الآية (اليوم أكملت...) إحدى وثمانين ليلة (2).
وبما أن الجمهور أطبقوا على أن وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت في الثاني عشر من ربيع الأول، فينطبق أو يقارب يوم نزول هذه الآية على الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وهو يوم الغدير الذي قام النبي (صلى الله عليه وآله) فيه بنصب علي عليه السلام للخلافة والولاية.
ولأجل هذه العظمة الموجودة في مفهوم الآية، روى المحدثون عن طارق بن شهاب قال: قالت اليهود للمسلمين: إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا - معشر اليهود - نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي).