وأخرج ابن جرير، عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال: كنا جلوسا في الديوان، فقال لنا نصراني: يا أهل الإسلام: لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم، وتلك الساعة عيدا ما بقي اثنان، وهي قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم).
كما روى ابن جرير، عن ابن جريح، عن السدي أنه لم ينزل بعد هذه الآية حرام و لا حلال، ورجع رسول الله (ص) فمات (1).
بماذا تحقق الكمال؟
لا شك أن الشريعة الإسلامية من جانب الأحكام والعقائد اكتملت بأمرين أحدهما: كتاب الله سبحانه، والآخر سنة نبيه الكريم.
أما الأول فقد عرف سبحانه مكانته، وسعة معارفه بقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) (النحل - 89).
فلا شك إن المراد من لفظة (كل شئ)، هو كل شئ أنيط بيانه إلى سفرائه وأنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف، والمناهج والتعاليم التي لا يصل الفكر الإنساني إلى الصحيح منها، بلغ ما بلغ من الكمال.
فهذه الأمور تكفل (الكتاب الكريم) ببيانها وذكر خصوصياتها، وأما العلوم التي يصل إليها البشر بفكره، كالفنون المعمارية، والمعادلات الرياضية والقوانين الفيزياوية والكيماوية، فهي خارجة عن رسالة ذلك الكتاب، وليس بيانها من مهامه ووظائفه.
نعم ربما يحتمل إن يكون للآية معنى أوسع، حتى يكون القرآن الكريم قابلا لتبيان تلك المعارف والعلوم، غير أن هذا الاحتمال - على فرض صحته - لا يصحح أن يكون (القرآن الكريم) مصدرا لهذه المعارف، حتى يرجع إليه كافة العلماء والاختصاصيون في هذه العلوم، وإنما يتيسر استخراج هذه العلوم والمعارف لمن له مقدرة علمية إلهية غيبية، حتى يتسنى له استخراج هذه الحقائق والمعارف من بطون الآيات وإشاراتها، وهو ينحصر في جماعة قليلة.