نبيه - عند أناس متطهرين من الإثم والذنب، مصونين عن الزلل والخطأ، قد أحاطوا بمحكم القرآن ومتشابهه، ومجمله ومفصله، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، بل بدلالاته وتنبيهاته، ورموزه وإشاراته التي لا يهتدي إليها إلا من شملته العناية الإلهية، وعمته الفيوض الربانية.
كما وأحاطوا بسنة نبيهم، وشوارد أقواله، ووجوه أفعاله، وألوان تقريره وإقراره.
فالتحق - صلى الله عليه وآله - بالرفيق الأعلى والحال هذه، أي أن العلم بحقائق الكتاب ومتون سنته مخزون عند جماعة خاصة، قد عرفهم بصفاتهم وخصوصياتهم تارة، وأسمائهم وأعدادهم تارة أخرى كما سيوافيك.
ولو أن الأمة الإسلامية رجعوا في مجال العقائد والمعارف، وموارد الأحكام والوظائف إلى هذه الثلة، لأوقفوهم على كل غرة لائحة، وحجة واضحة، وقول مبين، و برهان متين، واستغنوا بذلك عن كل قول ليس له أصل في كتاب الله وسنة رسوله، ولمسوا اكتمال الدين في مجالي العقيدة والشريعة بأوضح شكل.
فحديث اكتمال الدين وكمال الشريعة في جميع مجالاتها أمر لا غبار عليه، ولكن الخلاف والنقاش حدث في أسس الإسلام وفروعه لأجل الاستقلال في فهم الذكر الحكيم، وجمع سنة الرسول من دون أن يرجعوا إلى من عنده رموز الكتاب وإشاراته، ودلائله وتنبيهاته، فهم وراث الكتاب (1) وترجمان السنة، فافترقوا - لأجل هذا الإعراض - إلى فرق كثيرة ومناهج متكثرة.
إن الاستقلال في فهم المعارف والأصول واستنباط الفروع، ألجأ القوم إلى القول بالقياس والاستحسان، وتشييد قواعد ومقاييس ظنية كسد الذرائع والمصالح المرسلة، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك لأنهم واجهوا من جانب اكتمال الدين من حيث الفروع والأصول، بحيث لا يمكن إنكاره حسب الآيات والأحاديث، ومن جانب آخر واجهوا الحاجات والحوادث المتجددة التي لم يجدوا لها دليلا، لا في الكتاب ولا في السنة، فلاذوا إلى العمل بهذه المقاييس حتى يسدوا الفراغ، ويبرئوا الشريعة الإسلامية عن وصمة النقص.
قال ابن رشد مستدلا على حجية القياس: إن الوقائع بين أشخاص الأناس غير متناهية، والنصوص والأفعال والاقرارات (أي تقرير النبي) متناهية، ومحال أن يقابل