المدائن التي في الأرض، مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور الخبر " (1) مع أن كلا منها من حيث نفس الطبيعة الجسمية المشتركة واحدة، كما قال الشيخ الرئيس في الإشارات: " إنها (إلى الجسمية) طبيعة نوعية محصلة تختلف بالخارجات عنها دون الفصول " فلا يمكن أن يكون كل واحدة من هذه الطبائع المختلفة التي بعضها مضاد لبعض آخر، من مقتضيات نفس الجسمية المشتركة في الكل، كيف ولو كانت الجسمية مقتضية للمائية، أو النارية، أو غيرهما، لكان جميع الأجسام ماء، أو نارا، وهكذا؟
ولو قيل: إن السبب لهذا الاختلاف جسم آخر، له طبيعة خاصة غير طبائع هذه الأجسام، وهو قد اقتضى هذا الاختلاف، فتنقل الكلام إليه، وإلى وجه اختصاص تلك الطبيعة المفروضة به، ولا يمكن أن يكون ذلك الوجه نفس الطبيعة الجسمية كما ذكر، ولا جسم آخر له طبيعة خاصة، لأن اختصاصها به يحتاج إلى سبب آخر، وهكذا، إلى غير النهاية، فلا بد أن يكون السبب أمرا آخر غير الجسم والجسماني، جعل وأوجد لكل قسمة من الأجسام الكلية طبيعة خاصة - على وجه الحكمة والمصلحة - تناسب أوضاع العالم، كبعد الشمس من الأرض على هذا المقدار المعين، وبعد كل كوكب وكرة عن ساير الكواكب والكرات، على وجه لا يتصادمان، ولا يتدافعان، وغير ذلك مما هو واقع في الوجود، وذلك السبب، هو الخالق الحكيم، والمبدء المنزه القديم الأزلي.
ولإثبات المطلوب طريق آخر: وهو أنه لا شبهة في اشتمال كل من الموجودات الممكنة إنسانا كان، أو حيوانا، أو نباتا، أو غيرها، على