جهتين: جهة الوحدة والشخصية والظهور، وجهة البطون والكلية و اللا بشرطية والنوعية، وكل منهما يخالف الأخرى ويقابلها، فلا يمكن عليه إحداهما للأخرى. وبعبارة أخرى: كل ممكن، زوج تركيبي، مركب من وجود وماهية، وظاهر أن مناط المناسبة والاشتراك بين الموجودات، هو الوجود، كما أن ملاك الاختلاف والتعين في الموجودات هو الماهية، فكل موجود خارجي، وجوده غير ماهيته.
وبعد ذلك نقول: لا يمكن أن تكون ماهية واحد من الموجودات، موجدة وعلة لوجود نفسها، ولا للوجود مطلقا. أما الأول: فبيانه، أن التأثير والاقتضاء، فرع الوجود، والمعدوم لا ذات له، فلا اقتضاء له، فتأثيرها في وجود نفسها، يستلزم تقدمها بوجودها على وجودها، وكونها موجودة في حال كونها معدومة، وهو محال، مع أنه لو كانت الماهية مقتضية وعلة لوجود نفسها بذاتها، لكان كل فرد من أفرادها واجب الوجود، ولما لم تكن أفراد الماهية محدودة بحد - إذ كلما وجد منها فرد، أمكن وجود أفراد أخرى لها، غير متناهية - فيلزم على هذا بقاء أفراد غير متناهية، واجبات الوجود في العدم. وأما الثاني: فلأن العلية فرع مناسبة العلة مع المعلول، كمناسبة النار مع الحرارة، والشمس مع النور الساطع منها، وإلا لجاز صدور كل شئ من كل شئ، ولا مناسبة بين الماهية المعدومة، والوجود أصلا. وبهذا البيان، ظهر بطلان عكسه، أي كون الوجود علة للماهية، مع أن الماهية لا يمكن أن تكون مجعولة مطلقا، لأن الجعل إيجاد ما لم يكن، وتكوين ما لا كون له، آنا ودفعة، وإعطاء غير الوجود، إنما هو بنقله من مكانه، بعد إيجاده وتكوينه. ولما امتنع صدور كل واحد من الماهية، والوجود الإمكاني عن الآخر، فلا بد أن يكون السبب، حقيقة الوجود المجرد