لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ١ - الصفحة ٥٩
الآيات، ظهر لك أن كل واحدة منها مع بديع ألفاظها، وحسن تأليفها، وإيجازها، مشتملة على معان كثيرة، وعلوم جمة، بحيث لو شرح ما اندرج فيها لملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها، وقطعت بالضرورة أن فصاحة القرآن وبلاغته خارقة للعادة، وأنه كلام الله عز وجل.
ومنها نظمه العجيب، وأسلوبه الغريب المؤثر في القلوب تأثيرا لا يمكن إنكاره لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن تأمل في أساليب كلام العرب، نثره، ونظمه، وسجعه، ورجزه، وشعره، لم يجد فيها نظما وأسلوبا سنخ نظمه وأسلوبه، وقد حارت فيه عقولهم، وتبلدت أحلامهم، (1) وأثر فيهم تأثيرا بعد أن سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله آياته ففي الأثر: أن أشراف قريش اجتمعوا، وقالوا: ابعثوا إلى محمد (صلى الله عليه وآله) حتى تعدوا فيه، فقالوا: أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه و لينظر ماذا يريد، فقالوا: لا نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقال عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا بن أخي إنك منا حيث قد علمت من السلطة [السطة - ظ (2)] في العشيرة، والمكان في النسب
____________________
1 - قال جرجي زيدان في كتابه (تاريخ التمدن الاسلامي، جزء 3، ص 42، ط مصر، سنة 1958 م) عند ذكر علوم العرب بعد الإسلام: كان العرب فيما ذكرناه من علومهم وأخبارهم وأطوارهم، إذ جاء هم القرآن، فبغتوا لما رأوه من بلاغة أسلوبه على غير المألوف عندهم، لأنه ليس من قبيل ما كانوا يعرفونه من نثر الكهان المسجع، ولا نظم الشعراء المقفى الموزون، وقد خالف كليهما، وهو منثور مقفى على مخارج الأشعار والأسجاع، فلا هو شعر، ولا نثر، ولا سجع، وفيه من البلاغة وأساليب التعبير ما لم يكن شبيه في لسانهم، فسحروا بأسلوبه وما حواه من الشرائع والأحكام والأخبار، الخ. وبمثله قال في كتابه (آداب اللغة العربية).
2 - وسط في حسبه - وساطة - وسطة: صار شريفا حسيبا، ووسط قومه في الحسب - سطة حسنة: كان أشرف منهم " ذيل أقرب الموارد ".
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»