ولا بد من الإشارة إلى أن العقيدة لا تحبذ اتباع الوسائل الملتوية من أجل السيطرة على النفس، فعن طلحة قال: انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرغ في الرمضاء، وكان يقول لنفسه: ذوقي، وعذاب جهنم أشد حرا، أجيفة بالليل بطالة بالنهار؟!
قال: فبينا هو كذلك إذ أبصره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظل شجرة فأتاه، فقال:
غلبتني نفسي، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ألم يكن لك بد من الذي صنعته؟) (1).
من هذا التوجه النبوي، نجد أنه في الوقت الذي تشجع فيه العقيدة كل محاولة صادقة من الإنسان للسيطرة على نفسه، نجد أيضا أنها لا تحبذ اتباع الأساليب غير العقلانية للسيطرة على النفس، فالنفس تحتاج إلى صبر وسياسة طويلة ورياضة خاصة لتقلع عن ضراوة عاداتها، كتلك الرياضة التي أقسم أمير المؤمنين (عليه السلام) على اتباعها مع نفسه: (... وأيم الله - يمينا أستثني فيها بمشئية الله - لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما...) (2).
وإن الإنسان ليقف مبهورا أمام قدرة الإمام (عليه السلام) في السيطرة على نفسه، رغم أن الأموال كانت تجبى إليه من مختلف بلدان الخلافة الإسلامية أيام خلافته، ولقد أبر بقسمه الذي قطعه على نفسه، عن حبة العرني قال: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بخوان فالوذج فوضع بين يديه ونظر إلى صفائه وحسنه فوجى بإصبعه فيه حتى بلغ أسفله ثم سلها ولم يأخذ منه شيئا، وتلمظ إصبعه وقال: (إن الحلال طيب، وما هو بحرام، ولكني أكره أن أعود