وليس بخفي على أحد مستوى الإيثار الذي أبداه الأنصار مع المهاجرين، إذ شاطروهم في كل ما يملكون، وحتى في بيوتهم وأمتعتهم، ولم ينحصر هذا المستوى من الايثار بأفراد، بل شكل ظاهرة اجتماعية عامة لم يشهد لها تاريخ الإنسانية نظيرا - وفي هذه الظاهرة نزل قرآن كريم يبارك هذه الروح، ويخلد ذكر مجتمع تحلى بها، كنموذج من نماذج التلاحم الاجتماعي والمؤاخاة.. قال تعالى: * (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (1).
وينقض الإسلام أسسا في البناء الاجتماعي الجاهلي قوامها تعزيز التقسيم الطبقي والقبلي للمجتمع، الذي كان يتشكل من طبقتين أساسيتين، طبقة الأشراف، وطبقة العبيد، ولا بد لأبناء طبقة الأشراف أن يبقوا هكذا، تجتمع لديهم الثروات ويحتكرون الشأن والوجاهة، ولا بد لأبناء طبقة العبيد أن يبقوا هكذا يدورون في فلك الأسياد.. فقوض الإسلام هذه الأسس وأقام محلها أسسا جديدة تساوي بين الناس في حق الحياة وحق الكرامة، قال تعالى: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (2)، فتحرر أبناء طبقة العبيد ومارسوا حقهم في الحياة، وارتفع عمار وسلمان وبلال عاليا فوق طبقة أشراف قريش التي ما زالت تتخبط في ضلالات الجاهلية،