وعليه فالعلم بحاجة إلى الإيمان كحاجة الجسد إلى روح، لأن العلم لوحده عاجز بطبيعته عن بناء الإنسان الكامل، فالتربية العلمية الخالصة تبني نصف إنسان لا إنسانا كاملا، وتصنع إنسانا قد يكون قويا وقادرا ولكنه ليس فاضلا بالضرورة، هي تصنع إنسانا ذا بعد واحد، هو البعد المادي، أما الإيمان فإنه يصوغ الشخصية في مختلف الأبعاد.
ولقد بلغ اغترار الأوربيين بالعلم حدا وصل إلى حد التأليه والعبادة، وإن لم يقيموا شعائره العبادية في كنائسهم، ولما كان الدين يرتكز على قواعد غيبية، خارج نطاق المادة، اعتبروه ظاهرة غير علمية.
وعلى هذا الأساس ظهر بينهم داء الفصل بين الدين والعلم، وهو توجه غريب عن منهج الإسلام، " وليس أدل على هذا التماسك بين الإيمان والعلم من هذه الدعوة الملحة، في الدين إلى طلب العلم والاستزادة منه في كل مراحل العمر، وفي كل الحالات.. ومن هذه القيمة الكبيرة التي يعطيها الدين للعلم والعلماء.
وإذا كان هناك صراع بين العلم والدين في بعض فترات التأريخ، كما حدث ذلك في تأريخ المسيحية، فإن ذلك لا علاقة له بالدين، وإنما هو لون من ألوان الانحراف عن الدين، ولا يكون الدين مسؤولا عما يرتكب الناس بحقه من انحراف " (1).
ومما يؤسف له، أن بعض الأصوات ترتفع هنا وهناك تنادي بالفصل بين العلم والدين، بدعوى أن أوربا تنكرت للدين فتقدمت علميا وحضاريا، ونحن تمسكنا بالدين فتخلفنا، إن عقول هؤلاء إما قاصرة عن