دراسات في العقيدة الإسلامية - محمد جعفر شمس الدين - الصفحة ١٧١
نقاش وتفنيد وتوضيح:
والحقيقة أن المجسمة، حيث جمدوا على ظاهر ألفاظ هذه الآيات، من دون تحكيم للعقل، بل ولا تدقيق في النواحي اللغوية والنحوية، التي لو حاولوا إعمالها، لما وقعوا فيما وقعوا فيه من سخف.
وان هاتين الآيتين، كغيرهما من الآيات، قد وجهها علماء الإسلام وأزاحوا بعض ما قد يكتنفها من غموض، بحيث صارت واضحة جلية منسجمة مع بقية الآيات المحكمة في كتاب الله، والتي تؤكد أن الله سبحانه يستحيل عليه التحيز في مكان، أو الافتقار إليه.
أما بالنسبة للآية الأولى. فإنه يتضح معناها، إذا التفتنا إلى أن فاعل يعلم في الآية، هو الله سبحانه، وان الخطاب لجميع المخلوقات العاقلة، وهي الملائكة والجن والانس. وعلى ضوء ذلك يكون معنى الآية: هو الله يعلم سركم وجهركم، سواء كنتم في السماوات أو في الأرض ويعلم ما تكسبون.
فالآية الكريمة واردة لبيان مدى سعة حاكمية الله سبحانه، وان هذه الحاكمية منبسطة شاملة للكون سماواته وأرضه، وليست واردة لبيان محدودية ذات الله سبحانه من حيث المكان فهي على هذا، نظير قوله تعالى: ﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾ (1).
وإلا لو كانت الآية واردة لبيان ما ذهب إليه المجسمة، من أنه سبحانه في جهة هي السماء، فماذا يفعلون في قوله تعالى في نفس الآية وفي الأرض بعد قوله هو الله في السماوات؟.

(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»