الثاني: ان حصر المستدل، علة صحة الرؤية بالموجودية، يستلزم صحة رؤية بعض الأمور المقطوعة الوجود كالأصوات والطعوم والروائح وغير ذلك كالعلم والقدر والبخل. مع أننا لا نرى بالوجدان شيئا من هذه الأمور.
الوجه الثاني: ما حاول الغزالي أن يستدل به على جواز الرؤية مع التزامه بنفي الجهة والجسمية عنه، وحاصل هذا الدليل أن الإنسان يبصر ذاته في المرآة. وذاته ليست في جهة غير جهة مقابلة ولما كان يبصر ذاته، وكانت ذاته لا تحل في المرآة التي في الجهة المقابلة فيترتب على ذلك أن يبصر ذاته في غير جهة (1).
ولا يخفى ما في هذا الدليل من المغالطة، كشفها ابن رشد الفيلسوف حيث قال في مقام تفنيده له إن الذي يبصر هو خيال ذاته، والخيال منه في جهة إذ كان الخيال في المرآة، والمرآة في جهة (2).
تعقيب وتعليق:
ومن الغريب حقا، أن يلتزم هؤلاء بجواز الرؤية لله سبحانه، في نفس الوقت الذي ينفون فيه الجهة والجسمية عنه سبحانه. في حين أن من شروط إدراك البصر أن يكون المرئي في جهة ما مخصوصة، ولذلك لا يتأتى الرؤية بأي وضع اتفق أن يكون البصر من المرئي، بل وبأوضاع محدودة، وشروط محدودة، وهذا الشروط هي حضور الضوء، والجسم الشفاف المتوسط بين البصر والمبصر، وكان المبصر ذا ألوان ضرورة (3).