المسمى ادراكا - كما مضى.
وقد بينا أن هذه الادراكات - فيما مضى - ليست بخروج شئ من الآلة الدراكة إلى الشئ المدرك، ولا بانطباع صورة المدرك فيها.
وانما هو معنى يخلقه الله تعالى في تلك الحاسة.
وقد بينا أن البنية المخصوصة ليست بشرط له - كما مضى -، بل لو خلق الله ذلك المعنى في القلب أو غيره من الأعضاء لكنا نسمي ذلك مدركا.
وإذا جاز أن يخلق الله تعالى في الحاسة زيادة كشف وبيان بالنسبة إلى ما حصل في النفس، فلا محالة أن العقل لا يحيل أن يخلق الله تعالى للحاسة زيادة كشف وايضاح بالنسبة إلى ما حصل في النفس من العلم به، وأن تسمى تلك الزيادة من الكشف إدراكا.
والجاحد لذلك خارج عن العدل والانصاف، منتهج منهج الزيغ والانحراف.
ومن عرف سر هذا الكلام عرف غور كلام أبي الحسن في قوله: ان الادراك نوع مخصوص من العلم لكنه لا يتعلق الا بالموجودات.
وإذا عرف ذلك فالعقل يجوز أن يخلق الله تعالى في الحاسة المبصرة، بل وفي غيرها، زيادة كشف بذاته وصفاته، على ما حصل منه بالعلم القائم في النفس، من غير أن يوجب حدوثا ولا نقصا، وذلك هو الذي سماه أهل الحق ادراكا (1).
واستدلوا على هذه الرؤية العلمية أو الادراكية بما ورد من أحاديث تقول إن النبي (ص) كان يرى من ورائه كما يرى من أمامه.
ومنها: ما جاء في (صحيح البخاري) في كتاب الصلاة:
باب عظة الامام الناس في اتمام الصلاة وذكر القبلة. عن أبي هريرة. أن رسول الله (ص) قال: هل ترون قبلتي ها هنا، فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم