وقرره الفاضل المقداد بشكل آخر، قال: تمدح تعالى بنفي إدراك الأبصار له فيكون اثباته له نقصا (1).
وذهب الزمخشري إلى أن قوله تعالى: (اللطيف) معناه: أنه تعالى يلطف عن أن تدركه الابصار لتجرده وبساطته كمال وتمام التجرد والبساطة، و (الخبير) أنه تعالى خبير بكل لطيف مهما لطف ودق. فهما قرينة على أنه تعالى يدرك الابصار، لا تلطف عن إدراكه، وهي لا تدركه للطفه. وهذا من باب اللف (2).
وهي التفاتة أدبية خبيرة، ونكتة علمية لطيفة. وجمع السيد شرف الدين أطراف الاستدلال بالآية الكريمة على نفي الرؤية بقوله: ولنا من الكتاب الحكيم آيات محكمات تؤيد حكم العقل بامتناع الرؤية: الآية الأولى قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير).
فان الادراك متى قرن بالبصر لا يفهم منه إلا الرؤية بالعين، وكما أنه إذا قرن بآلة السمع فقيل (أدركته باذني) لا يفهم منه إلا السماع.
وكذلك إذا أضيف إلى كل واحدة من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه، فقولهم (أدركته بفمي) معناه: وجدت طعمه، و (أدركته بأنفي) معناه: وجد ترائحته.
وقد دلت هذه الآية على أنه سبحانه وتعالى قد تعالى على جميع الموجودات بمجموع هذين الأمرين اللذين اشتملت عليهما الآية الكريمة لأن من الأشياء: ما يرى ويرى كالأحياء من الناس.