ولعل مرادهم غير ما نعني به من حلول الاعراض في محالها (1).
ومثلما رأينا في موضوع الاتحاد أن من الصوفية من فسر الفناء بما لا يتنافى وأصل التوحيد الخالص.
وأن منهم من شط عن المزار وهام في فيافي القفار.
كذلك الشأن هنا حذو النعل بالنعل.
فالسهروردي وأمثاله كان فناؤهم هناك، وكذلك هو هنا فناء وحدانيا.
والحلاج وأضرابه كان فناؤهم في الموضوعين غير وحداني، فقد غلا (هنا) الحلاج ونادى بالحلول الذي قال به بعض المسيحيين من قبل، وزعم أن الإله قد يحل في جسم عدد من عباده.
أو بعبارة أخرى: إن اللاهوت يحل في الناسوت.
وقال قولته المشهورة التي كانت من أسباب تعذيبه حتى الموت، وهي: ما في الجبة الا الله (2).
واستدل المتكلمون على بطلان الحلول بأنه مستحيل على الواجب تعالى، لأن الحال في الشئ يحتاج اليه فيلزم امكانه، والا امتنع حلوله (3).
قال الامام أمير المؤمنين (ع): حد الأشياء كلها عند خلقه إياها، إبانة لها من شبهه، وإبانة له من شبهها، فلم يحلل فيها، فيقال: هو فيها كائن (4).
ويلتقي حلول الحلاج بالحلول المسيحي فيما ذهب اليه بعض النصارى من أن الكلمة كانت تداخل جسم المسيح (ع) أحيانا فتصدر عنه الآيات من إحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص، وتفارقه في بعض الأوقات فترد عليه الآلام والأوجاع (5).