حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي - صائب عبد الحميد - الصفحة ٥١
هذا الوفاق عند الفريقين، لذا لم يشذ عن هذا الوفاق سوى أهل الظاهر والحشوية.
ويظهر ذلك أيضا حين نلاحظ أن موضع الخلاف الذي حصل بين الفريقين في واحدة من آيات الصفات كان مصدره النقل، لا العقل.
وذلك الخلاف وقع عند قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " (1) فأهل السنة حين جوزوا الرؤية استندوا في ذلك إلى النقل، والشيعة حين منعوا من ذلك وذهبوا إلى خلاف الظاهر استشهدوا لمذهبهم هذا بالنقل أيضا، خلافا للمعتزلة الذين وقفوا عند البرهان العقلي.
استغراب مما يثير الاستغراب: الدعوى التي أطلقها ابن تيمية وأحاطها بعبارات تفيد القطع والتأكيد اللذين يمتنع معهما الرد والجدل.
تلك هي دعواه في عدم ورود التأويل في شئ من آيات الصفات في تفاسير الصحابة والسلف، فقال ما نصه:
" إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث، ووقفت على شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف " (2).
وأول ما يقوض هذه المقولة ويصدم قراءها ما نقله الطبري في تفسيره

(١) القيامة: ٢٢ - 23.
(2) تفسير سورة النور / لابن تيمية: 178 - 179.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»