حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي - صائب عبد الحميد - الصفحة ٤٨
ومع ما ورد في هذا المعنى عن علي عليه السلام ومجاهد (1).
من هنا أصبحت هذه الاختلافات محاور بارزة في الصراع المذهبي الذي دخل سائر كتب التفسير التي تجاوزت حدود الرواية.
نخلص من هذا إلى أن مصدر النزاع هنا هو إخضاع النص القرآني للرؤى المذهبية، حين صار القرآن كتابا مذهبيا عند أغلب المفسرين، فتراه قرآنا أشعريا عند المفسر الأشعري، وإماميا عند المفسر الإمامي، وباطنيا عند الباطني، وظاهريا عند الظاهري، ومعتزليا عند المعتزلي!!
وأصبح كل فريق في موضع المتهم من قبل الفرق الأخرى بأنه يلوي عنق النص القرآني ليا لأجل أن يصرفه إلى المعنى الذي ينصر مذهبه!
وتجدر الإشارة إلى أن بعض التفاسير المهمة قد تحررت من هذا الطوق ولو بنسب مختلفة، كما هو ظاهر في مواضع غير قليلة من تفسير الرازي، ومن الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي.
ولما كان تفسير الرازي أكثر انتشارا وأكثر حظا في الدراسة، فقد رأينا أهمية الوقفة هنا مع السيد الطباطبائي، ومع هذه المزية التي تعد واحدة من أبرز معالم منهجه في التفسير.
فلم يكتف صاحب الميزان بما قدمه في مقدمته من نقد لتلك الظاهرة بقوله: " أما المتكلمون فقد دعتهم الأقوال المذهبية على اختلافها أن يسيروا في التفسير على ما يوافق مذاهبهم بأخذ ما وافق، وتأويل ما خالف على حسب ما يجوزه قول المذهب " بل تقدم مع هذا المبدأ حتى في أشد المواضع إلحاحا، عند النصوص التي كثر فيها الجدل المذهبي، ومن ذلك:
1 - في أوائل سورة براءة، حيث النزاع المحتدم حول تأمير أبي بكر على

(1) كما في تفسير الطبري 14: 192، ومجمع البيان 5: 398.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»