بإمامها الوحيد: الشيخ سليم البشري المالكي، شيخ الجامع الأزهر في ذلك العهد، حضرت درسه، وأخذت عنه علما جما، وكان عليم علم، وعلم حلم، وكنت أختلف إلى منزله أخلو به في البحث عما لا يسعنا البحث عنه إلا في الخلوات، وكان جل بحثنا هذا في الإمامة، التي ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل عليها، وقد فرضنا على أنفسنا أن نمعن النظر في البحث عن أدلتها، متجردين من كل عاطفة سوى انتجاع الحقيقة والوصول إليه من طريقها المجمع على صحته.
وعلى هذا جرت مناظراتنا ومراجعاتنا، وكانت خطية تبادلنا بها المراسلة إبراما ونقضا، فجئته بالحجج الساطعة لا تترك خليجة ولا تدع وليجة، فقابلها بالذود عن حياضها، لا يألو في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا. لكن الله عز وجل بهدايته وتوفيقه يسر لي - وله الحمد - درء كل شبهة ودحض كل إشكال، حتى ظهر الصبح لذي عينين...
وكنت أردت يومئذ طبع تلك المراجعات، وهي 112 مراجعة، لكن الأقدار الغالبة أرجأت ذلك، فلما نكبنا في حوادث سنة 1338 - كما سنفصله في محله - انتهبت مع سائر مؤلفاتي يوم صيح نهبا في دورنا.
وما أن فرج الله تعالى عنا - بفضله وكرمه - حتى استأنفت مضامينها بجميع مباحثاتها التي دارت بيننا، فإذا هي بحذافيرها مدونة بين دفتي الكتاب، مع زيادات لا تخل بما كان بيننا من المحاكمات، على ما أوضحناه في مقدمة الكتاب، والحمد لله - باعث من في القبور - على بعث هذا السفر النافع ونشره (1)..