الولاية التكوينية ، الحق الطبيعي للمعصوم (ص) - الشيخ جلال الصغير - الصفحة ١٧٢
الشأنية، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: (قال الذي عنده علم من الكتب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فقد اعتبرت الآية الكريمة أن آصف بن برخيا قد تصرف بظروف الزمان والمكان - ضمن تفصيل سيأتي عما قليل - نتيجة ما عنده من علم الكتاب، مع عنايتها بكلمة (علم - من - الكتاب) التبعيضية لتشير إلى أنه لم يكن لديه علم من الكتاب إلا بعضه، ولكن كيف الحال بمن يمتلك كل علم الكتاب المشار إليه الآية القرآنية: ﴿ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب﴾ (1) فهذا الرجل (2) ينبغي أن يكون أفضل من آصف بن برخيا منزلة، وكذا في طبيعة قدراته على التصرف بشؤون الولاية التكوينية، ولهذا ليس من الصحيح أن يكون هذا الرجل هو من علماء أهل الكتاب كما تذهب إليه بعض مرويات العامة (3) وإلا لكان آمن

١ - الرعد: ٤٣.
٢ - العجيب أن أغلب تفاسير العامة قالت أن من عنده علم الكتاب هو الله جل جلاله، وقد تعسفوا لذلك تعسفات كانوا في غنى عنها، رغم وضوح أن الواو هنا عاطفة، ولكنها الطائفية العمياء!! أنظر تفصيلها في كتابنا: من عنده علم الكتاب؟.
٣ - وذهب إلى ذلك في جملة مخالفاته الأخيرة للإمامية محمد حسين فضل الله في جوابه لسؤال وجه في جوابه لسؤال وجه إليه حول هذا الخصوص، فنفى أن تكون الآية قد نزلت بحق الإمام علي (عليه السلام)، مدعيا أن الأقرب هي نزولها بحق علماء أهل الكتاب، ولذا قال ما نصه: (هناك رواية تقول أنه علي (عليه السلام)، ولكن هناك روايات تنطلق من سياق الآية أي أن النبي (ص) كان يستشهد بالأشخاص الذين يملكون علم الكتاب حتى يعرفوا المسلمين بأن النبي (ص) مذكور في التوراة والإنجيل، ولعله الأقرب، لأن الإمام (عليه السلام) كان مع النبي فكيف يستشهد به وهم لا يقرون علمه). (أنظر: جريدة فكر وثقافة الصادرة عن حوزة المرتضى في دمشق العدد: ٢٢ الصادر في تاريخ:
٢٣ / ١ / ١٩٩٦، والجريدة والحوزة تتبع له).
وما فعل ذلك إلا ليكمل مسعاه المتعلق بعقيدة أهل البيت ومن جملته نفي الولاية التكوينية عن الأئمة (عليهم السلام)، وواضح أن المغالطة فيها صريحة جدا، فعدد الروايات الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) متواترة جدا كما سنذكر ذلك بعد حين، وقد كان يكفيه رواية واحدة صحيحة الند، فكيف والأمر يتعدى إلى الكثرة المتكاثرة وإلى إجماع علماء الشيعة على ذلك، أما موضوع الشهادة فلعمري كيف يشهد هؤلاء وهم أنفسهم لم يؤمنوا برسول الله (ص) في وقت نعلم فيه أن الكتاب الموجد لديهم كتاب محرف، وكيف يشهدهم رسول الله (ص) ويعرض نفسه للإحراج المل، وهم قد كذبوا عليه من قبل وكذبوا على أنفسهم وقومهم من قبل، فما بالهم إذا علموا أنه رسولا من الله لم يؤمنوا به؟!! ولقد أجاد الفخر الرازي في تفسيره للآية حينما قال: إن إثبات النبوة بالواحد والاثنين مع جواز الكذب على أمثالهم لكونهم غير معصومين لا يجوز، فلا معنى لتفسيرها بابن سلام وأصحابه، (تفسير الرازي ١٩: ٧٠).
ولو كانت المسألة متعلقة بحاجة الرسول إلى من يشهد له بأنه مذكور في الكتب السماوية السابقة، فقد كان يكفيه بدلا من هذه الشهادة التي تنطوي على المغامرة، أن يأتي بهذه الكتب، ويستخرج المواضع التي ما زال ذكره فيها رغم وقوع التحريف فيها، ويشهد أهل الكتاب على ذلك، وعندئذ فإن الشهادة تكون أبلغ.
هذا رغم أن الرسول كما القرآن أكد أن كتب أهل الكتاب باتت محرفة، فكيف يعطي قيمة علمية وموضوعية إلى درجة المراهنة بسمعته ومصداقية كلماته ورسالته لعالم بكتاب محرف.
على أنه ما المغزى الذي يجعل الذين كفروا بحاجة إلى شهادة علماء أهل الكتاب، وموضعهم من حيث المصداقية الاجتماعية هو نفس مصداقية الرسول إذا لم يكن الرسول أفضل منهم لكونه كان معروفا بعدم الكذب؟.
وقد ناقشنا في كتابنا من عنده علم الكتاب؟ كل التفاصيل المتعلقة بهذا الشأن بما فيه الشبهات التي طرحها محمد حسين فضل الله في هذا المجال.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 175 176 179 180 181 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فاتحة الكتاب 5
2 مقدمة الطبعة الثانية 7
3 مقدمة الطبعة الأولى 53
4 الإهداء 65
5 تصدير: مقتضيات البحث والحوار العلمي 67
6 الباب الأول: ما هي الولاية التكوينية؟ 93
7 الباب الثاني: دلائل ثبوت الولاية التكوينية 101
8 أولا - الدليل العقلي 105
9 ثانيا - الدليل القرآني 133
10 بين يدي الدليل القرآني 135
11 أولا - الدليل القرآني في أبعاده الكلية 145
12 ثانيا - مصاديق الدليل القرآني 154
13 ثالثا: دليل الفكر القرآني 163
14 أ - الكون أمانة بيد المعصوم 163
15 ب - تعلق الوجود على وجود المعصوم 166
16 ج - الإنذار والتبشير في عالم الجن 169
17 د - تنزل الروح في ليلة القدر 170
18 ه‍ - ما ثبت للمفضول ثبت للفاضل 171
19 و - من لديه علم القرآن كله 179
20 ثالثا - الدليل الروائي 183
21 الولاية بين الشمول والتقييد 201
22 الباب الثالث: شبهات وردود 205
23 1 - هل الولاية تعني التفويض؟ 207
24 2 - هل الولاية فعلية أم إنشائية؟ 215
25 3 - لماذا لم يستخدم المعصوم ولايته؟ 227
26 4 - علم المعصوم 241
27 أ - معرفة علم الغيب منزلة روحية 247
28 ب - الاطلاع على علم الغيب أمر ناجز 251
29 ج - حجية قول المعصوم عليه السلام 254
30 ولكن ما بال الأخبار المتعارضة 264
31 لماذا لم يتجنب المعصوم المخاطر؟ 274
32 استدراك 279