وأما بعد وفاته: فقد دل حديث الثقلين على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك بين الأمة، أمرين، خليفتين عنه، ليقوما بدور الهداية من الضلالة، والإرشاد من العمى، والنجاة من الهلكة، فأوجب على الأمة اتباعهما والاقتداء بهما والتمسك بهما، وهما كتاب الله، المعصوم من الباطل، والذي لا ريب فيه، معجزة الإسلام الخالدة، وكلام الله المحفوظ.
وعترته، أقرباؤه الأدنون المعصومون، الذين أحلهم محل نفسه الشريفة في القيام بتفسير القرآن وبيانه، وجعلهم قرناء القرآن، فكانوا بمنزلته صلى الله عليه وآله وسلم في المعادلة بين القرآن والرسول، في حياته:
ففي حياته: كتاب الله مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد وفاته: كتاب الله مع العترة أهل البيت عليهم السلام.
وضرورة هذه المعادلة تنبع من أن كل رسول من رسل الله جاء معه كتاب، يدل على رسالته، ويقوم الرسول مقام المبلغ لما يحتويه الكتاب من أنوار، ومفسرا لما ينطوي عليه من أسرار، فلا بد لكل كتاب منزل من عدل وقرين، معصوم ينطق عنه، ويبينه للناس، وينشر نبأه بينهم، ولا بد أن يكون فصيحا، ناطقا بالحق، ليباشر المرسل إليهم، ويقوم بالتفاهم معهم، فلا بد لكل كتاب من ناطق عنه، مبين له.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الناطق عن القرآن في حياته، وأراد أن يستخلف، ويخلف الكتاب من بعده في أمته، فلا بد أن يخلف معه ناطقا عنه، بشرا يخلفونه نفس المشاهد والمواقف في تفسير الكتاب وتأويل متشابهه، فقد جعل " عترته " قرينا للكتاب في أداء هذه المهمة، ونصبهم بمنزلته في تلك المعادلة، من بعد وفاته، لتتمكن الأمة من الرد إلى الكتاب والعترة، عند التنازع في شئ، بعد وفاته، كما كان عليهم الرد في حياته. وقد أفصح العترة الطاهرة عن هذه المنزلة - أعني