التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٨٧
ذكرهم في القرآن أثبتوا للشمس الألوهية والتدبير مع القول بوجود إله قاهر حيث قالوا:
" إن الشمس ملك من الملائك ولها نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم، وتكون الموجودات السفلية فتستحق التعظيم والسجود والتبخير والدعاء " (1).
وأي ألوهية أكبر من تكوين الموجودات السفلية التي ينسبها الله سبحانه في القرآن إلى ذاته.
ومن الصابئة من يقول:
" إن القمر ملك من الملائك، يستحق العبادة وإليه تدبير هذا العالم السفلي والأمور الجزئية، ومنه نضج الأشياء المتكونة وإيصالها إلى كمالها " (2).
وليس لأحد أن يفسر قولهم بأن الشمس والقمر كانا - في عقيدتهم - يحتلان محل العلل الطبيعية، وأنهما كانا يقومان بنفس الدور لا أكثر، فإن المفروض أنهم جعلوهما من الملائكة وأثبتوا لهما العقل والنفس والتدبير القائم على التفكير، وهذا يناسب الألوهية، وكونهما إلهين، لا كونهما عللا طبيعية، إذ لو كان عللا طبيعية لما عبدوهما بتلك العبادة. فإذن لا مانع من أن يعتقد المشرك - في حين اعتقاده بتوزيع شؤون الألوهية بين صغار الآلهة - بوجود إله قاهر وهو الذي وزع الألوهية.
فالعربي الجاهلي كان يعتقد بتفويض المغفرة والشفاعة إلى أصحاب الأصنام والأوثان مع اعتقاده بوجود إله آخر قاهر وأعلى. والمغفرة والشفاعة من شؤون الألوهية، والدليل على أنهم كانوا يعتقدون بالتفويض، هو إصرار القرآن على القول بأنه لا شفاعة إلا بإذن الله سبحانه:
(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (البقرة - 255).

(1) الملل والنحل للشهرستاني: ص 265 - 266.
(2) الملل والنحل للشهرستاني: ص 265 - 266.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»