التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٩٠
إلى هنا استطعنا - بشكل واضح - أن نتعرف على حقيقة " العبادة " و " الشرك " ويلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول: إذا خضع أحد أمام آخرين وتواضع لهم، لا باعتقاد أنهم " آلهة " أو " أرباب " أو " مصادر للأفعال والشؤون الإلهية " بل لأن المخضوع لهم إنما يستوجبون التعظيم، لأنهم (عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (الأنبياء: 26 - 27) فإن هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والكريم لن يكون عبادة قطعا، فقد مدح الله فريقا من عباده بصفات تستحق التعظيم عندما قال:
(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) (آل عمران - 33).
وفي موضع آخر من القرآن صرح الله تعالى باصطفاء إبراهيم لمقام الإمامة إذ يقول تعالى:
(قال إني جاعلك للناس إماما) (البقرة - 124).
وكل هذه الأوصاف العظيمة التي مدح الله بها: نوحا وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمدا - صلوات الله عليهم أجمعين - أمور توجب نفوذهم في القلوب والأفئدة، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أن مودة بعض الأولياء فرضت علينا بنص القرآن (1).
فإذا احترم أحد هؤلاء، في حياتهم أو بعد وفاتهم، لا لشئ إلا لأنهم عباد الله المكرمون، وأولياؤه المقربون وعظمهم دون أن يعتقد بأنهم " آلهة " أو " أرباب " أو " مصادر للشؤون الإلهية " لا يعد فعله عبادة - مطلقا - ولا هو مشركا، أبدا.
وعلى هذا لا يكون تقبيل يد النبي أو الإمام أو المعلم، أو الوالدين، أو تقبيل

(1) (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) الشورى الآية: 23.
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»