للعالم بإذنه ومشيئته، وأمره وقدرته من دون أن يكونوا مستقلين فيما يفعلون، أو مفوضين فيما يصدرون فلا يكون ذاك موجبا للشرك بل أمره دائر - حينئذ - بين كونه صحيحا مطابقا للواقع كما في الملائكة أو غلطا مخالفا للواقع كما في النبي والولي، فإن الأنبياء والأولياء غير واقعين في سلسلة العلل والأسباب، بل هم كسائر الناس يستفيدون من النظام الطبيعي بحيث يختل عيشهم وحياتهم عند اختلال تلك النظم، ومعلوم أنه ليس كل مخالف للواقع يعتبر شركا إذ عند ذاك يحتل الولي مكان العلة الطبيعية والنظم المادية، وليس الاعتقاد بوجود هذا النوع من العلل والأسباب مكان النظم المادية للظاهرة شركا.
هذا ومن الجدير بالذكر أن مشركي عهد الرسالة كانوا يعتقدون لآلهتهم نوعا من الاستقلال في الفعل. وكانوا يتوجهون إليها على هذا الأساس وقد مر أن عمر بن لحي عندما سافر من مكة إلى الشام ورأى أناسا يعبدون الأصنام فسألهم عن سبب عبادتهم لها فقالوا له:
" هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا " (1).
وقد كان ثمة فريق من الحكماء يعتقدون بأن لكل نوع من الأنواع " رب نوع " فوض إليه تدبير نوعه، وسلمت إليه إدارة الكون التي هي من شأن الله ومن فعله تعالى. كما أن عرب الجاهلية الذين عبدوا الملائكة الكواكب - سياراتها وثوابتها - إنما كانوا يعبدونها لأن أمر الكون وأمر تدبيره قد فوض إليها - كما في زعمهم - وأن الله عزل عن مقام التدبير عزلا تاما، فهي مالكة التدبير دون الله، وبيدها هي دونه ناصية التصرف، ولهذا كان يعتبر أي خضوع يجسد هذا الإحساس عبادة.
وسيوافيك عقائد عرب الجاهلية حول معبوداتهم.