التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٨٩
يكون حراما، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها، فإنها وإن كانت حراما في الشريعة الإسلامية، لكنها ليست عبادة. فكون شئ حراما، غير القول بأنه عبادة، فإن حرمة السجود أمام بشر من غير اعتقاد بألوهيته وربوبيته إنما هي لوجه آخر.
من هذا البيان يتضح جواب سؤال يطرح نفسه في هذا المقام وهو: إذا كان الاعتقاد بالألوهية أو الربوبية أو التفويض، شرطا في تحقق العبادة فيلزم أن يكون السجود لأحد دون ضم هذه النية جائزا؟
ويجاب على هذا: بأن السجود حيث إنه وسيلة عامة للعبادة، وحيث إن بها يعبد الله عند جميع الأقوام والملل والشعوب وصار بحيث لا يراد منه إلا العبادة، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد من هذه الوسيلة العالمية حتى في الموارد التي لا تكون عبادة. وهذا التحريم إنما هو من خصائص الإسلام إذ لم يكن حراما قبله، وإلا لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف - عليه السلام - إذ يقول: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) (يوسف - 100).
قال الجصاص: " قد كان السجود جائزا في شريعة آدم - عليه السلام -، للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف - عليه السلام - فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله، بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد، قد روي عن النبي - عليه السلام - في إباحة تقبيل اليد أخبار، وقد روي الكراهة، إلا أن السجود لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أن النبي قال: ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " (1).
* * *

(١) أحكام القرآن: ١ / 32.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»