التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٧٦
بمنزلة الجنس والفصل فيضعهما مكان الجنس والفصل الواقعيين، والأمر فيما نحن فيه كذلك إذ نجد أن التعظيم والخضوع والتذلل وما أشبههما أمر مشترك بين العبادة وغيرها فيتصوره بمنزلة الجنس لها، ويجد أن العبادة تتميز بخصوصية عن غيرها، ولكنه لا يقدر على بيان تلك الخصوصية بلفظ بسيط فيتوسل بوضع جملة مكانه وهي ما ذكرناها: " ناشئ عن الاعتقاد بالإلوهية " ويضعها مكان الفصل.
وبعبارة ثالثة: أن الإنسان يجد أن " العبادة " ليست مطلق التعظيم ونهاية التذلل بل هي من خصائص من بيده شؤون الإنسان كلها، أو شأنا من شؤونه مما به قوام حياته عاجلا أو آجلا من الموت والحياة، والخلق والرزق، والسعادة والشقاء والمغفرة والشفاعة فيدير شؤونه ويخطط مصيره حسب ما يليق به.
غير أن هذه الجمل ليست بتفصيلها داخلة في " مفهوم " العبادة. ولكنه يشار إلى تلك الخصوصية الكامنة والضيق الموجود فيها، بهذه الجمل والتفاصيل وحاشا أن تؤخذ هاتيك الجمل فيها بطولها.
وعلى ذلك فيصح أن يقال: العبادة قسم خاص من التواضع والخضوع لفظيا أو عمليا، (يؤتى به لتعظيم ما يعتقده العابد بألوهيته) وما وقع بين الهلالين وإن كان خارجا عن مفهوم العبادة إلا أنه يبين ما هو المقصود من القسم الخاص من الخضوع في أول العبارة.
ولذلك نظائر في العرف والعادة مثلا:
1 - يعرف القوس بأنه " قطعة من الدائرة " ولا شك أنه من باب زيادة الحد على المحدود، إذ لا يعتبر في صدق القوس كونه قطعة من الدائرة بل هو يصدق وإن لم يكن قطعة منها (أي من الدائرة)، (أي القوس) عبارة عن سطح يحيط به خيط مستدير ينتهي طرفاه بنقطتين، من غير اعتبار كونه بعضا من الدائرة.
إلا أن أخذ هذا القيد (أعني: كونه بعض الدائرة) من باب بيان الخصوصية
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»