التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٨٦
على مسألة متفق عليها بين المشركين، أي مبرر، على أن ذلك الفريق من عرب الجاهلية الذين كانوا يعبدون الأصنام، إنما كانوا يعبدونها لكونها تملك شفاعتهم لا أنها خالقة أو مدبرة للكون، وعلى أساس هذا التصور الباطل كانوا يعبدونها وكانوا يظنون أن عبادتهم لها توجب التقرب إلى الله إذ قالوا:
(ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر - 3).
3 - لا ملازمة بين توزيع الألوهية ونفي الإله الأعلى:
إن توزيع الألوهية على صغار الآلهة المتخيلة أمر باطل عقلا ونقلا، ولا نطيل الكلام بسوق براهينه العقلية وما تدل عليه من الآيات.
ثم إن توزيع شؤون الألوهية - كما في زعم عرب الجاهلية - ما كان يلازم نفي الإله الأعلى القاهر، بل كان الجاهليون يعتقدون بالإله الأعلى رغم عبادتهم للأصنام واعتقاد توزيع الألوهية عليها.
لكن الأستاذ المودودي (1) أبطل فكرة توزيع الألوهية معللا بأن: هذا التوزيع لا يجتمع مع الاعتقاد بإله أعلى حيث قال:
" إن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن الألوهية قد توزعت فيما بينهم فليس فوقهم إله قاهر بل كان لديهم تصور واضح لإله كانوا يعبرون عنه بكلمة الله في لغتهم " (2).
وفي هذا الكلام نظر، فإن الجمع بين قوله: " إن الألوهية توزعت فيما بينهم " وقوله:
" فليس فوقهم إله قاهر " يوهم بأن القول بتوزيع الألوهية يلازم القول بنفي الإله القاهر الذي هو فوق الكل، ولكنه ليس كذلك، فإن الصابئة الذين ورد

(١) راجع بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٢٠ - ٣٥٠.
(٢) كتاب المصطلحات الأربعة: 19.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»