التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٨٢
قديمة غير مخلوقة له، بل الله سبحانه يخلق الجميع بنفسه من دون استعانة بأحد أو بشئ، فهو يخلق المادة ويصورها كيف شاء. فلو اعتقدنا أن أحدا مستغن في فعله العادي، وغير العادي عمن سواه، وأنه يقوم بما يريد من دون استعانة أو استمداد من أحد حتى الله سبحانه فقد أشركناه مع الله واتخذناه ندا له تعالى.
وصفوة القول هي: إن ملاك البحث في هذا التعريف هو: " استقلال الفاعل " في فعله وعدم استقلاله، والتوحيد بهذا المعنى مما يشترك فيه العالم والجاهل.
نعم ما يدركه المتأله المثالي من التفاصيل في مورد الاستقلال في المعبود وعدمه في العابد على ضوء الأدلة العقلية والكتاب العزيز مما يدركه غيره أيضا بفطرته التي خلق عليها، وعقليته التي نما عليها، فلا يلزم من اختصاص فهم التفاصيل بهذه الطبقة (أي المتألهين البصيرين) حرمان عرب الجاهلية من فهم معاني العبادة ومشتقاتها الواردة في القرآن ومحاوراتهم العرفية، فالعبادة بهذا المعنى (أي باعتقاد كون المعبود مستقلا) يشترك فيه العالم والجاهل، والكامل وغير الكامل، غير أن كل فرد من الناس يفهمه على قدر ما أعطي من الفهم والدرك كما قال سبحانه:
(فسالت أودية بقدرها) (الرعد - 17) غير أن الدارج في ألسن المتكلمين هو " التفويض " فليشرح مقاصدهم.
2 - ماذا يراد من التفويض؟
اتفقت كلمة الموحدين على أن الاعتقاد بالتفويض موجب للشرك، وأن الخضوع النابع من ذاك الاعتقاد يعد عبادة للمخضوع له، والتفويض يتصور في أمرين:
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»