التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣٤
تشاء!!!
من أجل هذا عبد سكنة شواطئ البحار (إله البحر) لكي يجود عليهم بنعم البحر ويدفع عنهم آفاته وغوائله كالطوفان، فيما عبد سكنة الصحاري (إله البر) ليفيض عليهم بمنافعها، ويدفع عنهم مضارها، كالزلزال وما شابه ذلك من آفات الأرض، وغوائل الصحراء.
ولكن حيث إنهم ما كانوا متمكنين من رؤية هذه الآلهة التي توهموها واخترعوها، افترضوا لها صورا خيالية، وأشكالا وهمية، ونحتوا على غرارها تماثيل وأصناما، وراحوا يعبدون هذه الأصنام المصنوعة بدلا عن عبادة القوى الغيبية نفسها التي تمثلها هذه الأصنام - كما في زعمهم -.
لهذا السبب كان بين عرب الجاهلية فريق يعبد الملائكة، وفريق آخر يعبد الجن، وثالث يعبد الكواكب الثابتة كالشعرى، رابع يعبد الكواكب السيارة، وكان الهدف من عبادتها - جميعا - هو جلب خيرها ونفعها، واجتناب ضررها وشرورها.
ولقد كانوا يتمتعون - في صنع التماثيل والأصنام - من سعة نظر خاصة، فهم لم يلزموا أنفسهم بأن يصنعوا ما ينطبق على الصور الواقعية لتلك الأشياء ولذلك كانوا يصنعون لكل واحد من الآلهة الموهومة أصناما لا تشبه صورها الواقعية أبدا كإله الحرب، وإله السلام، وإله الحب، ولكن في كل هذا كان الدافع الوحيد هو صب الأمور الغيبية في قالب المحسوسات، وحيث إن هذه الأرباب والآلهة (الصغار) لم تكن بذاتها في متناول الإحساس، وكان للكواكب طلوع وأفول، وكان التوجه إليها لا يخلو - لذلك - من مشقة فتوجهوا صوب تماثيلها، وصاروا إلى عبادتها.
ولقد انتقد القرآن وشجب بشدة فكرة تفويض القدرة وأمر تدبير الكون إلى الآلهة الصغار المدعاة المخلوقة لله، ووصف الله في مواضع عديدة، بأنه المدبر
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»