وبعبارة أخرى: أن مقتضى الإضراب في الآية * (بل رفعه الله إليه) * هو تعلق الرفع ببدنه الحي وشخصه الماثل، حتى يصح كونه ردا على زعم اليهود: " إنهم صلبوه وقتلوه "، لأن القتل والصلب إنما يتعلقان بالبدن ولو فسر بإعلاء المقام لا يكون ردا لدعوى القتل والصلب، ويكون جملة منقطعة الصلة عن زعم اليهود، فلا تكون الحكاية عن إعلاء المقام ردا على الخصم، إلا إذا فسر برفع المسيح بشخصيته الخارجية الحية حتى يكون تكذيبا لمقالة اليهود وادعائهم.
أضف إلى ذلك أن رفع روحه أو إعلاء درجته، وإبقاء جسده بين الأعداء، نوع تسليط لهم عليه، لا إنجاء له من أيديهم، وهذا لا يوافق سياق الآية لأنه بصدد بيان أنه سبحانه أنجاه وخلصه من أيديهم، وعند ذلك يتطابق مفاد هذه الآية مع مفاد الآية السابقة القائلة: * (إني متوفيك ورافعك إلى) * لما عرفت أن " التوفي " هناك ليس بمعنى الإماتة، بل بمعنى الأخذ ويكون مفاده مطابقا لما يستفاد من هذه الآية بأن المسيح رفع بشخصيته الخارجية. نعم الآية تدل على رفعه حيا وأما بقاؤه كذلك لحد الآن فلا يستفاد من الآية بل لا بد من التماس دليل آخر.
تفسير الآية الثالثة:
وأما الآية الثالثة: * (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد) * (1).
فلا إشكال في أن ظرف المحاورة بين الله وعيسى هو يوم القيامة بدليل قوله تعالى: * (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * (2) وأما التوفي فيها فقد عرفت أنه