وهناك رأي شاذ لا يعرج عليه وهو: " ليؤمن بالله أو بمحمد قبل موت الكتابي " وهذا رأي ساقط، إذ ليس في الآية ما يشير إليه فضلا عن الدلالة، على أن إيمان الكتابي بالله ثابت في حياته.
إلا أن التأمل في سياق الآية يؤيد رجوع ذلك الضمير إلى المسيح لا إلى " أحد من أهل الكتاب " لأن البحث، إنما هو حول قتل المسيح وصلبه، فيناسب أن يكون المراد من " موته " في الآية هو موت المسيح، لا موت الكتابي، وهذا يدل على كونه حيا، وأنه لا بد أن يدركه كل الكتابيين المتواجدين يوم نزوله فيؤمنون به قبل موته - عليه السلام -.
وأما زمان هذا الإيمان، وأنه متى يؤمن به كل كتابي فالآية ساكتة عنه.
وبعبارة أخرى: أن الكلام سيق لبيان موقف اليهود من عيسى وصنيعهم به، ولبيان سنة الله في إنجائه ورد كيد الأعداء عنه، فيتعين رجوع الضميرين المجرورين (به - قبل موته) إلى عيسى - عليه السلام - أخذا بسياق الكلام وتوحيدا لمرجع الضميرين.
قال الدكتور عبد الباقي أحمد محمد سلامة في كتابه " بين يدي الساعة " في ترجيح المعنى الأول على الثاني: إن المقصود من سياق الآية في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة، فأخبر الله تعالى أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، وأنه باق حي، وأنه سينزل قبل يوم القيامة كما دلت عليه الأحاديث المتواترة. فيقتل المسيح الضلالة ويكسر الصليب ويضع الجزية، يعني: لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم قبل موته، أي موت عيسى الذي زعم اليهود ومن وافقهم من