خامسا: السؤال يفرض نفسه علينا عن هذا العلم الرباني الذي اختص نفسه به والذي لم يكن ليحصل للبشر إلا بجعل منه، هل جعله حبيسا لديه؟، فلم يجعله عند أحد من عباده؟ وهل الواو فيه " والراسخون في العلم... " عاطفة أم استئنافية؟.
هل إن الله لا يريد أن يعلم التأويل؟
إن الافتراض بأن الله تعالى قد حجب هذا العلم عن الخلق طرا، يناقض مبررات الوحي وإرسال الأنبياء. ومما لا شك فيه أن الله تعالى إنما بعث أنبياءه وخاتمهم محمدا (ص) هداية للناس، ولا تكون الهداية إن أنزل إليهم ما يحجب عنهم علمه، والقول بخلاف هذا يبطل غايات الرسالة والوحي، وهذا محكم الكتاب يعلن هذه الحقيقة * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * فالبيان لا بد أنه يشمل النص والمضمون، ولو كان للنص وحده لم يحصل البيان لنقص في غايته، فالبيان إذن من غايات التنزيل الملازمة للنص لا تنفك عنه، وهكذا عندما يخبرنا تعالى بأن العلم بالمتشابه علم رباني لا يعلمه إلا هو، فإنه بالضرورة يعني أمرين، أولا أن أحدا لا يعلم به إلا إذا جعله الله لديه، وثانيا ولضرورة البيان المذكور، أنه قد جعله لدى بعض من عباده ليؤدوا البيان فيكونوا مرجعية له، وهذا يجعل الواو للعطف فيكون الراسخون في العلم يعلمونه أيضا، ولهم مرجعيته، والرسول (ص) أولهم بلا ريب بحكم نص البيان المذكور.
على أن النص يستبطن ضرورة أن يكون هذا العلم متاحا للناس حينما يحتاجون إليه فيطلبونه ويجدونه، وذلك حين يذم الذين يتبعون