الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٣٠٢
وهي أن الله يصطفيهم لعلمه بقابلياتهم وبشأنهم في الأمثلية، بالمقاييس الربانية لا بالمنظور البشري، والله وحده يعلم حقائق الأمور وبواطنها، بينما للبشر الظاهر، والواقع يملي حقائق لا يمكن تجاهلها، فبعض الناس قد يبلغ شأنا عاليا في العلم، وبعضهم في التقوى، وآخرون في الزهد، وغيرهم في الصبر أو في نكران الذات والجهوزية للتضحية في سبيل الحق وغير ذلك، ومن كان في الدرجات العليا من إحدى الفضائل قد يكون مقصرا في سواها، بينما الصفوة الأمثل هم الذين لا يضاهون فيما بلغوه من الأمثلية في كل بعد من الأبعاد الضرورية لحمل الرسالة ومسؤولياتها، تبعا لما تمليه حاجة هذه الوظيفة في مراحل الرسالة المتعددة، فهؤلاء لا يعلم حقائقهم إلا الخالق عز وجل.
ولقد اصطفى تعالى الذين شاء من عباده منذ بداية الخلق لعلمه بما سيكون من شأنهم وقابلياتهم، فأخبرنا أنه اصطفى الأنبياء والرسل والأوصياء، وأنه اصطفى ذريات من الناس * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (33) ذرية بعضهم من بعض والله سميع عليم (34)) * (1)، فذلك الاصطفاء متحقق وراهن، ومثله قوله تعالى * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * فيخبرنا أن هذين التوريث والاصطفاء ناجزان في قضاء الله، كائنان في الحقبة القرآنية، وأن هناك من العباد المصطفين في هذه الحقبة من قضى الله في أن يرثوا الكتاب. ومن جهة ثانية فإن التفسير الموضوعي لآيات الكتاب يقضي أن

(1) سورة آل عمران.
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»