الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٣٠٠
مكانا ممن لم يعمل بها إذا لم تبلغه * (يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) * وهل من كان جاهلا، لم يحدث نفعا لخلق الله بل ربما أضر بجهله ولو عن غير قصد، أيشفع له الشهادتان أقر بهما دون فهم لأبعادهما فيكون بهذه الحال صفوة على أحد أساطين العلم الذي قدم النفع العميم للناس وآمن بوحدانية الله بفطرته وعلمه، وحسن خلقه وسلم الناس من يده ولسانه، ولم يحمل غلا على الذين آمنوا، وربما أنه لم يسمع بالإسلام أو صده عن التقصي ما رآه من سوء الأمثولة في مثل أولئك الذين حملوا اسمه وخالفوا حقيقته؟ ولئن كان الثاني خارج الاصطفاء لأنه يفتقر إلى مقدماته التي أولها التلبس بالإيمان عقلا ووجدانا وسلوكا فالأول كذلك خارجه لافتقاره إلى مثل ذلك وأكثر.
وهكذا يبدو جليا أن قوله تعالى * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * لا يعني جميع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) على ما فيها من تلك النماذج قديما وحديثا، من جهلة وفساق وظلمة ومفسدين ومن يصح وصف دينهم بلعق اللسان، فمثل هؤلاء لا يكونون من الأمثل في الخلق، وهم خارج الاصطفاء بلا ريب، فلا يبقى من مدلول معقول إلا أن يكون الاصطفاء للصفوة الأمثل من العباد. على أن تتمة الآية تعطي مزيدا من الوضوح من قوله تعالى * (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله..) * فالضمير في * (فمنهم) * عائد إلى عبادنا، لا إلى الذين اصطفينا، إذ هي الأقرب، ولا يكون الرد إلى الأبعد ما لم يكن من مسوغ بدليل خارجي أو لزوم بلاغي، على أن ظلم النفس
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»