الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٢٨٥
هذا الحفظ لا بد أنه يشمل اللفظ والمضمون، لأن تحريف المضمون على غير ما يريده تعالى من القرآن يكون في ذاته تحريفا يتنافى مع الحفظ، ولا بد أن هذا الحفظ لا يعني عند الله فحسب، ولو كان القصد من الحفظ ذلك، دون حفظه لدى الناس، لكان تنزيله في الأصل عملا عبثيا، إذ يجعله غير متاح للناس ليهتدوا به ويناقض الهدف من الوحي، بل قوله تعالى * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * يرجح الدلالة على حفظ الذكر المنزل، فلا بد أنه حفظ ليكون متاحا للناس بوجهه الأصيل الذي يريده تعالى.
على أن المعرفة على النحو المطابق لما يريده تعالى منه، ليست متاحة بالرأي والاستقراء كما أخبرنا تعالى * (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله، ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) * فالمتشابه منه لا يعلم بالرأي، وهذا ما ذمه تعالى بقوله * (يتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله) * واعتبر ذلك من زيغ القلوب، لأن تأويله بالرأي لا يغني من حقيقة مضمونه الذي * (لا يعلم تأويله إلا الله..) * لذلك فإن علم الناس به لا يكون إلا من الله، أي لا يكون علمه إلا عند من جعله الله لديهم، وهذه محصلة طبيعية، لأن ما كان علما لله وحده فلا يعلم بالوسائل المتاحة من سماع ورواية واستقراء، بل لا يكون إلا جعلا إلهيا.
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»