الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٤٦
حجرا فوق حجر في ذلك البناء الشامخ، وأنه لا بد له من مساعدين أكفياء يستند إليهم في مهمته الشاقة، وأنه لا مناص من أجل ذلك من أن يجمع عددا من الناس المختارين، سواء في البلاد المحتلة أو في خارجها، فوافق هولاكو على ذلك (1).
وهنا هب نصير الدين إلى اختيار رسول حكيم هو فخر الدين لقمان بن عبد الله المراغي، وعهد إليه بالتطواف في البلاد الإسلامية، وتأمين العلماء النازحين ودعوتهم للعودة إلى بلادهم، ثم دعوة كل من يراه متفوقا في علمه وعقله من غير النازحين.
مضى العمل منظما دقيقا وانصرف العلماء بإشراف الطوسي منفذين مخططا مدروسا، فلم يمض كبير وقت حتى كانت المكتبات تغص بالكتب، وحتى كانت مكتبة مراغة بالذات تضم مجموعة قل أن اجتمع مثلها في مكتبة أخرى، وحتى كانت المدارس تقام في كل مكان، وحتى كانت الثقافة الإسلامية تعود حية سوية، وحتى كانت النفوس مشبعة بالأمل والقلوب مليئة بالرجاء، وحتى كان الدعاة ينطلقون في كل صوب والهداة ينتشرون على كل جهة... (2).
ثم يموت هولاكو، ولكن الإسلام الذي أراد له هولاكو الموت يظل صحيح البنية، متوهج الفكر، ثم يموت ابن هولاكو وخليفته (ابقاخان) والإسلام لا يزال بقيادة الطوسي صامدا، يقاتل ويقاوم ويهدي.
ويأتي بعد ابقاخان، ابن هولاكو الآخر (تكودار) فإذا بالإسلام ينفذ إلى قلبه

(1) أول مرصد هو مرصد (أبرخسن) في اليونان أنشئ قبل الميلاد، وبعده بحوالي ثلاثة قرون أنشئ مرصد بطليموس في الإسكندرية. أما في الإسلام فإن أول مرصد أنشئ كان مرصد الخليفة المأمون في بغداد. وفي أواخر القرن الثالث أنشئ مرصد محمد جابر البستاني في الشام، وأنشئ في مصر المرصد الحاكمي وأنشئ في بغداد مرصد آخر.
(2) قال ابن الفوطي في كتابه (مجمع الآداب): اتفق الحكماء الخمسة على رصد مراغة في أيام السلطان الأعظم هولاكو سنة 657 ورئيسهم نصير الدين الطوسي، وهم فخر الدين الخلاطي وفخر الدين محمد بن عبد النلك المراغي ومؤيد الدين العرضي ونجم الدين القزويني، وهؤلاء هم الذين اختارهم نصير الدين وأنفذ السلطان في طلبهم.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»