الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٤٢
وجهه يطلب الملجأ الأمين فوجده في قلاع الإسماعيلية الحصينة (1)، تلك القلاع التي صمدت وحدها لجنكيز خان، فظل حقد المغول مضطرما على الإسماعيليين إلى أن استطاعوا الثأر منهم في عهد هولاكو حفيد جنكيز خان.
ولم يكن نصير الدين وحده الذي احتمى بهذه القلاع، بل لقد لجأ إليها كثير ممن استطاعوا الفرار والنجاة.
وعندما تقدم المغول في غزوهم الثاني، وأعاد هولاكو سيرة جده، كانت الحملة هذه المرة من القوة بحيث هابتها القلاع الإسماعيلية فلم تستطع لها صدا، ونزل الأمير الإسماعيلي ركن الدين خورشاه على حكم المغول، فكان حكمهم قتله وقتل أعوانه ومن لجأ إليه، واستثنوا من ذلك ثلاثة رجال كانت شهرتهم العلمية قد بلغت هولاكو فأمر بالإبقاء عليهم، ولم يكن هذا الإبقاء حبا للعلم وتقديرا لرجاله، بل لأن هولاكو كان بحاجة إلى ما اختص به هؤلاء الثلاثة من معارف، فاثنان منهم كانا طبيبين هما موفق الدولة ورئيس الدولة، والثالث كان مشهورا باختصاصه في أكثر من علم واحد هو نصير الدين الطوسي، وكان مما اختص به: علم الفلك، وكان هولاكو مقدرا لهذا العلم تقدير حاجة لا محض تقدير، مؤمنا بفائدته له. لذلك رأيناه بعد ذلك يعني بإنشاء مرصد " مراغة " ويوفر له كل ما يستدعي نموه وتقدمه... (2).

(1) يقول الدكتور علي أكبر فياض في كتاب محاضراته عن الأدب الفارسي والمدنية الإسلامية: " وكانت النهضة الإسماعيلية في قمة نشاطها في ذلك العصر وكانت لهم مشاركة تامة في دراسة الفلسفة والنهوض بها للاستفادة منها في تقرير أصولهم وإثبات دعاواهم. وقد أسسوا لهم في قلعة الموت في جبال قزوين مكتبة عظيمة بادت على أيدي المغول. وكان يعيش في رعاية الإسماعيليين رجل يعد من أكبر المشتغلين بالعلوم العقلية بعد ابن سينا ألا وهو نصير الدين الطوسي قدر لهذا الرجل العظيم أن يقوم بإنقاذ التراب الإسلامي من أيدي المغول ".
إلى أن يقول:: " لقد فوض إليه هولاكو أمر أوقاف البلاد فقام بضبطها وصرفها على إقامة المدارس والمعاهد العلمية، وجمع العلماء والحكماء وتعاون معهم في إقامة رصد كبير في مراغة لآذربيجان ومكتبة بجانبه يقال أنها كانت تحوي 400 ألف كتاب.
(2) إن علم الرصد والفلك غير " صناعة المنجمين ". فصناعة النجوم ضرب من الحساب غايته حساب الطالع والتنبؤ أو التكهن بأحداث المستقبل بواسطة رصد حركات الكواكب ومواقيت قراناتها. وكان القدماء يفرقون بين صناعة النجوم التعليمية وصناعة النجوم التجريبية، فعلم النجوم عندهم غير علم الأحكام كما يستفاد من كتب المسعودي والبيروني وابن رشد وغيرهم من قدماء الباحثين في هذه العلوم.
يعتقد المنجمون وهم من غير الفلكيين والرياضيين أن جميع الكوائن العظيمة مثل انتقال الملك والدولة من أمة إلى أخرى وظهور الملل ونشوب الحروب وانتشار الأوبئة والقحوط والمجاعات أمور تدل على قرانات الكواكب ويمكن التنبؤ بها بواسطة الحساب. هذا واستخراج الطالع طالع المولود وطالع السنة وطالع العلم من جملة أعمال أهل هذه الصناعة، ولهم في استخراج الطالع طرق معروفة ولكن مداركها باطلة ونتائجها كاذبة أنكرها العلماء والعقلاء إذا استثنينا عددا قليلا من الناس. وقد نتج عن الهوس بما يسمونه (علم الأحكام) و (استخراج الطالع) كوارث جمة وفواجع مهمة، ومن أشهرها فاجعة (الغ بك) أمير سمرقند من الأسرة التيمورية وهو أكبر علماء الفلك فيما وراء النهر في المئة التاسعة ومؤلف الزيج المعروف باسمه ويعد من أنفس الأزياج. ومع ذلك كان لهذا الفلكي المشهور اعتقاد راسخ بصناعة التنجيم واستخراج الطالع حتى قاده هذا الاعتقاد الفاسد إلى حتفه في قصة معروفة خلاصتها: أنه أخذ الطالع لنفسه فوجد أنه يقتل بيد أكبر أولاده، فلم يهدأ وراح يسوم ولده سوء العذاب حتى قتل الولد أباه المذكور سنة 654.
وحديث الإمام علي عليه السلام مع بعض المنجمين الذين أشاروا عليه أن يتوقف في ساعة معينة عن السير إلى حرب الخوارج مشهورة أنكر فيه أحكامهم وزجر الناس عن العمل بموجبها. (الشبيبي).
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»