الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٤٤
إن أقل تفكير في التمرد على رغبة القائد المغولي سيكون جزاؤه حد السيف.. وإنني لأتخيل الطوسي متأملا طويل التأمل، مطرقا كثير الإطراق، لقد كان يعز عليه أن يذهب دمه رخيصا وأن يكون ذلك بإرادته هو نفسه، فلو أن سيفا من سيوف المغول الجانية أودى به فيمن أودى بهم في رحاب نيسابور وسهول إيران لكان استراح. أما الآن فلن يستسلم للقدر الطاغي وسيثور على حكم الزمن الغاشم.
كان الطوسي ذا فكر منظم يعرف كيف يخطط ويدبر. وهو في ذلك آية من الآيات، وقد أدرك أن النصر العسكري على المغول ليس ممكنا أبدا، فقد انحل نظام العالم الإسلامي انحلالا تاما لم يعد معه أمل في تجميع قوة تهاجم المغول وتخرجهم من دياره، وكانت البلاد المحتلة أضعف من أن تفكر في ثورة ناجحة.
على أن الغرب الإسلامي كان لا يزال سليما، وكانت مصر هي القوة الوحيدة التي تتجه إليها الأنظار، وقد استطاعت مصر أن تذيق المغول مرارة الهزيمة وأن تردهم عنها، ولكن لم تكن مستطيعة أكثر من ذلك، فمهاجمة المغول فيما احتلوه من بلاد بعيدة وإخراجهم من تلك البلاد كان فوق طاقة مصر.
وفكر نصير الدين طويلا فأيقن أنه إذا تم للمغول النصر الفكري، بعد النصر العسكري، كان في ذلك القضاء على الإسلام، وها هو يرى بأم عينه الكتب تباد والعلماء يقتلون، فماذا يبقى بعد ذلك؟..
لقد استغل حاجة هولاكو إليه، وحرصه على أن يكون في معسكره فلكي عالم بالنجوم، فعزم على كسب ثقته واحترامه فكان له ما أراد، وصار له من ذلك سبيل لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الكتب وتجميعها، كما استطاع أن ينجي من القتل الكثير ممن كانوا سيقتلون.
ولما استتب الأمر لهولاكو خطا نصير الدين خطوته الأولى، وكانت هذه المرة خطوة جبارة فقد أقنع هولاكو بأن يعهد إليه بالإشراف على الأوقاف الإسلامية والتصرف بمواردها بما يراه، فوافق هولاكو. وتتطلع نصير الدين فرأى أن المسلمين كانوا قد وصلوا من الانحلال الفكري إلى حد أصبح العلم عندهم
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»