قشورا لا لباب فيها، وأنهم حصروا العلم بالفقه والحديث وحدهما، وحرموا ما عداهما من سائر صنوف المعرفة التي حث عليها الدين العظيم، وانصرفوا عن العلوم العملية انصرافا تاما. فأعلن افتتاح مدارس لكل من الفقه، والحديث، والطب، والفلسفة، وأنه سيتولى الإنفاق على طلاب هذه المدارس، ولكنه سيجعل لكل واحد من دارسي الفلسفة ثلاثة دراهم يوميا، ولكل واحد من دارسي الطب درهمين، ولكل واحد من دارسي الفقه درهما، ولكل واحد من دارسي الحديث نصف درهم، فأقبل الناس على معاهد الفلسفة والطب، بعد ما كانت من قبل تدرس سرا.
أحرز نصير الدين النصر الأول في معارك الإسلام، فالعلم لن ينقطع بعد اليوم، ولن يجمد المسلمون عن طلبه، ثم انصرف يخطط للمعركة الكبرى الكاسحة. فإذا كان إنشاء المدارس المتفرقة لن يلفت هولاكو إليها، ولن يدرك أهميتها، فإن إنشاء الجامعة الكبرى وحشد العلماء فيها وحشر الكتب في خزانتها، سيكون حتما منبها لهولاكو فكيف العمل؟
هنا تبدو براعة الطوسي، فهولاكو استبقاه لغاية معينة، فراح يقنع هولاكو بأنه من أجل استمراره في عمله والاستفادة من مواهبه لا بد من إنشاء مرصد كبير، فوافق هولاكو على إنشاء المرصد الكبير، وفوض لنصير الدين المباشرة بالعمل.
لقد كانت هذه الموافقة الحلم الأكبر الذي حققته الأيام لنصير الدين، وبات بعدها مستريحا للمستقبل لا يشغله شئ إلا الإعداد الدقيق والتخطيط السليم الموصل إلى الغاية القصوى " (1).
ضخم نصير الدين أمر المرصد لهولاكو وأقنعه أنه وحده أعجز من أن يرفع