الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٩٢
لحاله، واستحيا من حيائه.
وفد أعرابي إلى المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدل على الحسين عليه السلام، فدخل فوجده مصليا، فوقف بإزائه وأنشأ:
لم يخب اليوم من رجاك ومن * حرك من دون بابك الحلقة أنت جواد وأنت معتمد * أبوك قد كان قاتل الفسقة لولا الذي كان من أوائلكم * كانت علينا الجحيم منطبقة فسلم الحسين، وقال: يا قنبر! هل بقي من مال الحجاز شئ؟ قال:
نعم، أربعة آلاف دينار، قال: هاتها، فقد جاء من هو أحق بها منا. ثم نزع عليه السلام برديه ولف الدنانير فيها، وأخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي، وأنشأ:
خذها فإني إليك معتذر * واعلم بأني عليك ذو شفقة لو كان في سيرنا الغداة عصا * أمست سمانا عليك مندفقة لكن ريب الزمان ذو غير * والكف مني قليلة النفقة فأخذها الأعرابي وبكى. فقال له الإمام الحسين عليه السلام: لعلك استقللت ما أعطيناك، قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك؟! (1) بكى الأعرابي لاحتماله أن يأكل التراب جود الحسين عليه السلام، وليته رأى كيف أكلت السيوف والرماح جسده في ساحة الطف، حين اجتمع اللئام، على الكريم ابن الكرام، فاعملوا في ذلك البدن القدسي سيوف الحقد والكفر، ورماح الخبث والغدر، وسهام الجبن والنفاق.

١ - المناقب 4: 66. تاريخ دمشق، لابن عساكر 4: 324، أوردها بصورة أخرى.
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست