الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ١١٢
طاعة لله، وقرن ذلك بعناء وجهد لم يرج بهما إلا مرضاة الله، فكان عليه السلام يفزع إلى نجدة الملهوف، وإغاثة المضطر، وقضاء حاجة المحتاج، يبذل في ذلك طاقته،...
قال شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي: وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك فقال: هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين (1).
وقد عرف سلام الله عليه كما هو ديدن أهل البيت عليهم السلام بصدقات السر، أو صدقات الليل، فحمل ظهره الشريف ما يحتاجه الأيتام والأرامل والفقراء، في وقت يستسلم الناس للنوم، ويتمددون للراحة. ولا شك أن في ذلك عناء، ولكن الإمام الحسين عليه السلام أبى سخاؤه إلا أن يكون مع العناء والنفس الساخن من التعب والمشقة. ومع هذا لم يتركه القوم يموت موتة مريحة، حتى جعلوه يعاني في دفع السيوف والرماح عن نفسه المقدسة.
فبعد أن كان سلام الله عليه يسقي الأرامل واليتامى والمساكين، ويحمل قرب الماء على ظهره لهم خلفت عليه ثفنات، لم يسق قطرة ماء قبل أن يقتل، بل قال له الشمر: لا تذوقه حتى ترد النار، وقال له رجل: ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات، فلا تشرب منه حتى تموت عطشا، وحينما سقط على الأرض قال له رجل آخر: لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها، فقال له الإمام الحسين عليه السلام: أنا أرد الحامية! وإنما أرد على جدي رسول الله، وأسكن معه في داره، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكو إليه ما

١ - المناقب 4: 66.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست